جرحى الجيش الوطني وخذلان الشرعية
في الوقت الذي ترفع فيه الحكومة الشرعية شعارات «استعادة الدولة» و«الوفاء لتضحيات الأبطال» يعيش جرحى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مأرب وتعز وسائر المحافظات المحررة مأساة لا تقل فداحة عن جراحهم الجسدية هؤلاء الأبطال الذين قدّموا أرواحهم فداءً للوطن يقفون اليوم في طوابير الألم والإهمال يبحثون عن علاجٍ مفقود وحقوقٍ منسية وكرامةٍ أضاعها تجاهل المسؤولين
في مأرب وتعز مشاهد موجعة تكسر القلب وتدمي الضمير جرحى بلا أطراف مقاتلون فقدوا أعينهم أو أصيبوا بإعاقات دائمة وأسرٌ مكلومة تنتظر بصيص أمل من حكومةٍ كان يفترض بها أن تكون الراعي الأول لتضحياتهم لكنّ الواقع المرير يقول شيئًا آخر: خذلان تهميش، وغياب تام للعدالة
زادت المعاناة عمقًا حين توقفت مرتبات الجرحى لأكثر من ستة أشهر متواصلة تاركة مئات الأسر تغرق في دوامة العوز والجوع
كل جريح من هؤلاء الأبطال لا يعيش وحده بل يعول أسرة كاملة تتجرع مرارة الإهمال يوماً بعد آخر. أطفال بلا طعام كافٍ نساء يبحثن عن الدواء لأزواجهن الجرحى وأمهات يذرفن الدموع على أبناء ضحوا بأجسادهم ثم تُركوا يواجهون الفقر والمرض وحدهم
كيف يعقل أن يبقى الجريح بلا راتب وهو الذي حمل السلاح دفاعًا عن الدولة؟
كيف يمكن لحكومة تدّعي تمثيل الشرعية أن تترك أبطالها في مواجهة الجوع؟
إن الراتب بالنسبة للجريح ليس مجرد رقم مالي بل هو شريان حياة لعائلة بأكملها إنه الدواء والطعام والكرامة وحين يُقطع، يُقطع معه آخر خيط من الثقة بين المواطن والدولة
خذلان لا يليق بالتضحيات
كيف لحكومةٍ تقول إنها “شرعية” أن تعجز عن تأمين أبسط الحقوق لمن دافعوا عنها؟
أين الشرعية من جراح أبطالها؟
كيف يمكن لمن فشل في رعاية الجرحى أن ينجح في إدارة وطن بأكمله
المقاتل الذي يواجه العدو في الجبهة اليوم حين يرى زميله الجريح طريح الفراش بلا علاج ولا اهتمام، تتسلل إلى نفسه الهزيمة. كيف لا؟ وهو يرى أن التضحية في سبيل الشرعية لا تُقابل إلا بالإهمال. كثير من المقاتلين يعترفون بأنهم حين يسمعون عن معاناة زملائهم بعد الإصابة، تنتابهم مشاعر الخوف والخذلان، فيتراجعون معنويًا وتضعف عزيمتهم.
إن خذلان الجرحى ليس مجرد قضية إنسانية، بل هو تهديد مباشر للجبهات ولروح المقاومة ذاتها. الجرحى هم وقود المعركة، والرمز الذي يلهم الأحياء بالمواصلة فحين يُهان الرمز، تضعف الأمة بأكملها.
فساد يلتهم حقوق الأبطال
في الوقت الذي يعاني فيه الجرحى من الجوع ويبحثون عن حقهم في العلاج والرعاية تُصرف ملايين الدولارات على حسابات أشخاص في الخارج، ممن لم يعرفوا يوماً معنى البندقية ولا رائحة البارود.
كيف تُصرف المخصصات على أصحاب الإعاشة المقيمين في الفنادق الفاخرة بينما جرحى الجبهات يموتون على أبواب المستشفيات؟
كيف تُمنح المكافآت لمن لم يخدم الوطن دقيقة واحدة، ويُحرم منها من بذل دمه وروحه؟
إنها مفارقة مخزية تكشف عمق الفساد الإداري والمالي الذي ينخر جسد الحكومة الشرعية، ويهدد ما تبقى من الثقة الشعبية بها. فبينما تعيش بعض القيادات في الخارج رفاهية الفنادق، يعيش الجرحى وأسر الشهداء تحت خط الكرامة، بلا علاج، بلا رواتب بلا اهتمام.
رسالة إلى الحكومة الشرعية
هذا الجريح الذي فقد قدمه في سبيلكم، هو من أوصلكم إلى الحكم.
هذا الذي فقد بصره كان يبصر طريق النصر من أجلكم
وهذا الذي يرقد اليوم بلا دواء هو من حمل عنكم عبء الدفاع حين كنتم أنتم في فنادق الخارج.
أليس من العار أن تدار مؤسسات الدولة من قاعات الفنادق، بينما من صنعوا هذه الشرعية يضيعون في أزقة الإهمال؟
أليس من الخزي أن يُترك الجريح بلا دواء، بينما تصرف الأموال على الرحلات والمؤتمرات والبدلات وأصحاب الإعاشة؟
يا حكومة الشرعية، إن كنتم عاجزين عن الوفاء لمن ضحى من أجلكم، فبأي وجهٍ ستواجهون هذا الشعب؟
أين وزارة الدفاع؟ أين هيئة الجرحى؟ أين رئاسة الوزراء من كل هذا النزيف؟
إن النجاح الحقيقي يبدأ من الوفاء للجرحى وأسر الشهداء. إنهم البوصلة التي تحدد اتجاه الوطنية، وهم المقياس الذي يُكشف به صدق الشعارات
الجرحى لا يطلبون المستحيل كل ما يريدونه هو العلاج، والرعاية، والاحترام. يريدون أن يشعروا أن تضحياتهم لم تذهب سدى.
لكن حين يرى الجريح أنه يُعامل كعبءٍ لا كرمز، وأنه يُنسى بعد أن يضحي، فإن ذلك يفتح جرحًا في قلب الوطن لا يندمل.
ليس من العدالة أن تُنسى أسر الشهداء، وأن يُترك الجرحى للمجهول، بينما تُدار الأموال في صفقات ومخصصات لا طائل منها.
لقد آن الأوان لتتحرك الحكومة الشرعية بخطوات عاجلة وحقيقية لإنصاف الجرحى، بتخصيص ميزانية واضحة وشفافة، وإنشاء هيئة مستقلة تُعنى بعلاجهم وتأهيلهم، بعيدًا عن الفساد والمحسوبية.
في الختام إن خذلان الجرحى هو خذلان للوطن كله.
وإن صمت الحكومة عن آلامهم هو إعلان صريح لفشلها الأخلاقي قبل السياسي.
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى.
فمن ينسى من ضحى من أجله، لا يستحق أن يُحكم باسمه.
الجرحى اليوم ليسوا بحاجة إلى كلمات تعزية أو خطابات حماسية، بل إلى أفعال صادقة تُعيد إليهم حقهم وكرامتهم.


