همّ يقتل نفسه 

عدن… يا مدينة الوجع الجميل، ويا مرفأ الحنين اللي مهما تاه القلب، يرجع لك.

كم تعبتي يا عدن، وكم صبرتي بصمتك اللي موجع أكثر من أي صرخة.

تبدّلت الأيام، وغابت الملامح، وصار البحر اللي كان يضحك مع الموج، يسمع أنين الناس في الليل، والريح تحمل حكايات الجوع والخذلان بدل نغمة الفرح.

الهمّ في عدن يا ناس ما عاد خفيف، صار مثل جبل على صدور الناس.

الحرّ قاتل، الكهرباء تنطفئ كل لحظة، والناس تعيش على بصيص أمل، تحاول تصبر، تحاول تضحك، تحاول تقول "بخير" وهي تعرف إنها ما بخير.

تمشي في شوارعها، وتشوف العيون تحكي أكثر من الكلام، تشوف التعب في وجه العامل، في الأمّ اللي تدور لقمة، في الطفل اللي حلمه صار بس يلقى موية باردة أو نوم هادي.

عدن كانت دايمًا قلب اليمن النابض، مدينة الحب والفرح، اللي الكل كان يجيها يلقى الأمان.

واليوم، صارت هي بنفسها تدور على الأمان.

تسأل البحر: متى يرجع الهدوء؟

وتسأل نفسها: ليش كل هذا الهم؟

الناس ما عادوا يطلبوا الكثير، بس شوية حياة كريمة، شوية كهربا، شوية عدل، شوية رحمة.

لكن الدنيا تضيق، والأسعار تطلع، والراتب يختفي، والكرامة تصير معركة يومية بين الصبر والحاجة.

ومع كل هذا، عدن ما زالت واقفة.

مثل أمٍّ قوية، مجروحة لكنها ما تنهار.

تحتضن أبناءها رغم التعب، وتقول لهم بصوت موجها:

ما يقتلنا الهم، نحن اللي نكسره بالصبر والإيمان.

عدن، رغم وجعها، ما زالت فيها رائحة البحر، وضوء الغروب، وصوت الأطفال في الأزقة.

ما زالت فيها طيبة الناس اللي يبتسموا رغم كل شيء، واللي يقولوا إن شاء الله خير، وهم يعرفوا أن الخير بعيد، بس قلوبهم معلّقة برب كريم.

الهمّ يقتل نفسه في عدن، لأن الناس تعبت من الهمّ، وقررت تعيش رغمًا عنه.

تغسل وجعها بماء البحر، وتكنس يأسها من العتبات، وتقول:

نحن أولاد عدن، ما نعرف الهزيمة.

وبيجي يوم يا عدن، نرجع نشوفك مثل ما كنتِ ....

ضاحكة، مضيئة، آمنة.

نرجع نغني في شوارعك، ونفرح في لياليك، ونحكي لأولادنا عن زمنٍ مضى كان صعب، لكنه خلّانا أقوى، وأقرب إلى الله، وإلى الوطن.

فـ اصبري يا عدن…

فبعد كل همّ، لابدّ من فجرٍ يشرق،

ولابد أن يقتل الهمّ نفسه، أمام صبرك العظيم.