زمان الوصل 

بقلم:.أ.د.الخضر حنشل

زمان الوصل جملة تنبئ بحزن وحسرة وألم على زمن تولى ،زمن رحل ولم يعد، ولو في الأحلام، رحل تاركا خلفه شوقا كامن في النفوس كمون النار تحت الرماد،رحل وترك أخاديد وتشوهات في جسم اليمن  يصعب علاجها في المستقبل المنظور،،
فكم هو مؤلم أن يتذكر  الناس اليوم في اليمن زمان وصلهم في تلك السنوات الخوالي التي كان المواطن ينعم بنعمة الأمن ،والدعة ،ولايشعر بالجوع مع عدم اكتناز الأموال لديه ،ولكنه كان آمنا في سربه ،ومعافى في بدنه ،وعنده قوة يومه ويزيد ،،وكأن الدنيا قد  حوزت له ، كما قال الصادق المصدوق الرسول الأعظم عليه صلوات الله وسلامه..
 لم يعد اليوم الشعب ينعم بزمان الوصل في تلك الأيام التي سرقت من عمره  فتبدل حاله إلى حسرات وآهات على ايام لم يصنها  ،ولم يحافظ على نعيمها، فصار يندبها ،ويندب حظه العاثر الذي أوقعه في براثن البؤس ،والخراب في الأنفس ،والعمران ..
والحق أن خير من صور الندم على الماضي وما فيه من نعيم  هو شاعر الأندلس لسان الدين ابن الخطيب ..ابو عبدالله محمد السلماني القرطبي المولود في لوشه بغرناطة في  713 ه‍ الموافق 1313م..  وهو من عائلة عربية مهاجرة، نشأ وترعرع في غرناطة  فلمع  نجمه في سماء الاندلس فنال حظوة في عهد حكم بني نصر بغرناطة فولاه حاكمها وزارتين  حتى  لقب بذي الوزارتين ( وزارة السيف ووزارة الكتابة - القلم -) اشتهر بسعة علمه  في مجالات الادب ،والطب،والفلسفة ،
والتاريخ ..وكان له دور سياسي كبير في عهد دولة بني الأحمر ،غير أن الحياة قد تجهمت في وجهه حين تآمر عليه الأعداء،والحساد  في غرناطة فاتهم بالزندقة بسبب أفكاره الصوفيه ففر إلى المغرب ،ولكن تم القبض عليه في عهد السلطان الجديد  ،وقتل خنقا في السجن سنة1374م ودفن في  مدينة فاس.
ومع أنه يعد عالما موسوعيا في مجالات متعددة من العلوم والفكر ،،الا أن أكثر ما لفت نظري واثار حزني وشجني قصيدته الخالدة المسماة جادك الغيث فهي من أشهر الموشحات الأندلسية في ذلك الزمن ،ومازالت ذائعة الصيت عذبة المذاق  تتناقلها الألسن حتى اليوم ، ومما يؤسف له حقا ويدمي القلب حسرة أن معالم الاندلس الشهيرة في غرناطة وقرطبة وخاصة مساجدها قد أصبحت اليوم كنائس وبعضها صارت مرابض للخيول ،،ومع ذلك فإن  تلك المساجد ومآذنها مازالت تحمل بين جدرانها كثيرا من الآيات القرآنية الشاهدة على عظمة الاسلام وخلوده ،ولعل قصيدة الوزير ابن الخطيب لاتؤرخ لفترة محددة من ذلك الزمان الاندلسي الخصب ،،وانما تحكي ما حل بالأمة وما سيحل بها وخير دليل على ذلك حالنا في اليمن فقد صار أشبه بالحالة المأسوية التي مر بها ابن الخطيب حين نظر في سجنه وهو في المغرب إلى الأندلس فأطلق العنان لقريحته الشعرية الساحرة فأنشد قائلا :
جادك الغيث إذا الغيث هما 
يازمان الوصل في الأندلس..
لم يكن وصلك الا حلما
 في الكرى أو خلسة المختلس.
إذ يقود الدهر أشتات المنى.
ينقل الخطو على ما يرسم.
زمرا بين فرادى وثنا.
مثل ما يدعو الوفود الموسم.
وروى النعمان عن ماء السماء.
كيف يروي مالك عن أنس؟.
في ليال كتمت سر الهوى.
بالدجى لولا شموس الغرر.
وطر ما فيه من عيب سوى.
أنه مر كلمح البصر.
 إلى أن يقول..
يا أهيل الحي من وادي الغضا.
وبقلبي مسكن أنتم به.
ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا.
لا أبالي شرقه من غربه.