عدن… بين صمت الحقوق وصمود البقاء

بقلم ـ نائلة هاشم 


تمر الأيام وراء الأيام، والوضع في عدن ما يزال كما هو لا يتغير ولا يتحرك. حكومة بارعة في تمثيل البلاد في الخارج، بينما في الداخل يعيش المواطن بين مهاجر رحل إلى الأبد، وباق يتفرج في وطنه ينتظر بارقة أمل قد لا تأتي.
إلى متى سنظل في هذه الدوامة؟ إلى متى سيستمر هذا الإعصار الذي عصر كل جميل في داخلنا، حتى أصبحنا أشباحا تقبل أن تعيش على الفتات، بعدما كانت تقف شامخة بإرادة لا تكسر؟

ففي كل صباح أفتح عيني على مشاهد تبدو مبهجة في ظاهرها موجعة في عمقها.
أرى المعلم يدخل فصله ليؤدي رسالته رغم شظف العيش، أرى الموظف يركض خلف الباصات ليلحق ببصمة "الأمل المتجدد" الذي لم يجدد لنا شيئا.
أرى عمال النظافة يجوبون الشوارع بصمت وعرق، وأرى الناس تندفع نحو أعمالها بنشاط مدهش، وكأن الحياة طبيعية.
لكني في داخلي أتعجب من هذا المشهد المهيب الذي يخفي سؤالا موجعا:
لماذا الصمت عن الحقوق؟
طالما أدينا الواجب ووقفنا في مواقعنا، لماذا نقبل أن تهدر حقوقنا؟
رواتب شبه معدومة، كهرباء ماتت وانطفأت معها الأبصار ، ماء أصبح من الصعب الوصول إليه… ومع ذلك الصمت سيد الموقف.

فهل هذا هو صبر أيوب الذي تحمل البلاء فعوضه الله خيرا؟
أم هو ضعف حال وقلة حيلة جعلتنا نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجري؟

يا من هززتم البرتغال، وطردتم بريطانيا، وهزمتم العثمانيين…
كيف أصبح حالكم اليوم؟
حياتكم ترثى لها: جوع ينهش، مرض ينتشر، وخوف يسكن البيوت.

عدن يا مدينة التاريخ والبحر…
يا مدينة الرجال الذين صنعوا الامجاد…
لماذا تتركين اليوم وحيدة تشتكين الألم ولا تجدين من يسمع؟
لماذا يعتاد الناس على الألم حتى صار عاديا، بينما الأصل أن يقاوم لا أن يقبل؟

لقد وصلنا إلى مرحلة لم يعد فيه الصبر فضيلة، بل صار استنزافا.
ولم يعد السكوت حكمة، بل صار استسلاما.
ولم تعد الحياة كريمة، بل صارت معركة بقاء.

ومع ذلك…
ما يزال في الناس نبض، وفي القلوب جذوة، وفي المدن روح لا تموت.
عدن قادرة أن تقوم، وأهلها قادرون أن ينهضوا، متى ما قرروا أن الصمت لم يعد خيارا، وأن الحقوق تنتزع ولا تمنح.