بدوي زبير.. ميزان الفن ووجه الخير

خاطرة بقلم/ مراد علي حصن

حين يُذكر بدوي زبير، يُذكر الفن الأصيل والخلق الرفيع، وتُستحضر في الذاكرة صورة إنسانٍ جمع بين الموهبة الفذة والقلب النبيل.
رغم مرور خمسةٍ وعشرين عامًا على رحيله، لا يزال اسمه نابضًا في وجدان الناس، وصوته الطربي الشجي ينساب إلى القلوب كما تنساب أنغام العود في ليالي حضرموت الهادئة.

كان بدوي زبير ميزانًا من ميزان الجمال، يزن الكلمة بصدق، واللحن بإحساس، والموقف بضميرٍ حي.
امتلك ثقافة فنية واسعة، وقدرة مذهلة على تطويع الألحان والإيقاعات الحضرمية بمختلف ألوانها، من الطربية إلى الشرحية، ومن السماع الشعبي إلى الصوفي، فكان مدرسة متفردة في العطاء والإبداع.
لكنه لم يكن فنانًا فقط، بل كان إنسانًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لطيف المعشر، بسيط الروح، محبًا للناس، عطوفًا على من حوله، يميل للمواساة والوقوف إلى جانب من يحتاجون إليه.

كان بدوي لا يكتفي بالعطاء الفني، بل جعل من فنه جسرًا للخير، يحيي الحفلات في الأعراس دون أجر دعمًا للفقراء والمحتاجين، ويغني هديةً لأصدقائه وأهل منطقته بدافع المحبة والمروءة.
وفي كل موقف من مواقفه، كان يزرع الفرح في النفوس، كأنه وُلد ليُسعد الآخرين ويمنحهم من صوته ما يخفف عنهم قسوة الحياة.

لم تتوقف مواهبه عند الغناء والعزف، بل تجاوزت إلى الإبداع في الزخرفة والنحت وصناعة آلة العود التي كان يعزف عليها. بيديه الحانيتين كان يصوغ الخشب في شكل آلة موسيقية أو لوحة فنية، كما يصوغ النغمة في قلب المستمع ليترك فيها أثرًا لا يُمحى.

لقد كان بدوي زبير فنانًا يحمل رسالة، وإنسانًا يسكنه ضمير الخير، وعبقريًا جمع بين الذكاء الفني والذكاء الإنساني، حتى غدا رمزًا للطرب الحضرمي وواحدًا من أبرز وجوهه على الإطلاق.
رحل الجسد، لكن بقيت روحه في ألحانه، وذكراه في قلوب من أحبوه، وبقي اسمه شاهدًا على أن الفن حين يمتزج بالصدق والإنسانية، يخلد صاحبه مهما طال الزمن.

سلامٌ على روحه الطيبة، ورحمة الله عليه رحمة الأبرار، فقد كان بدوي زبير حقًا جوهرة الطرب الحضرمي ووجه الخير الذي لا يُنسى.