فيروس الشهرة الزائفة
شهد الفضاء الرقمي خلال السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في أعداد صانعي المحتوى على مختلف منصات التواصل الاجتماعي. بيد أن هذه الطفرة سرعان ما تحوّلت إلى حالة من الفوضى، بعد أن طغى المحتوى الساخر والسطحي – الذي يفتقر إلى أي قيمة حقيقية – على حساب المحتوى الهادف والمفيد.
هذه الظاهرة، لابد ان نطلق عليها بـ "فيروس الشهرة الزائفة"، لانه يعد في نظرهم سباقًا محموماً نحو النجومية، حيث باتت القيمة تُقاس بعدد المشاهدات لا بجودة المحتوى أو أثره. وازدادت مؤخراً المواد التي تقوم على السخرية والتفاهة والتنمر، إضافة إلى انتشار ألفاظ غير لائقة وتجاوزات أخلاقية ودينية. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى تصوير تفاصيل الحياة الشخصية ونشرها بقصد الشهرة، بل واستغلال الأطفال في مقاطع هزلية أو استفزازية بهدف كسب المتابعين، وهو سلوك تجرّمه العديد من القوانين إقليمياً ودولياً.
والأدهى من ذلك أن هذا المحتوى الهابط يحظى بتفاعل واسع ومشاركات كبيرة، مانحًا صانعيه شهرة وتأثيراً لا يستحقونه، في حين يتراجع حضور المحتوى الرصين الذي يقدم معرفة أو ثقافة أو قيماً مجتمعية موثرة.
في المقابل، هناك فئة تستحق الاحترام والتقدير من صُنّاع المحتوى الذين يبذلون جهوداً لتقديم أعمال نوعية تعتمد المعرفة والثقافة والتوعية. لكن هؤلاء يواجهون تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التفاعل والانتشار مقارنة بالضجيج الذي يصنعه المحتوى الهابط. فعندما يحصد مقطع ساذج ملايين المشاهدات، بينما لا يتجاوز المحتوى التعليمي أو الثقافي مئات المشاهدات، فإننا أمام أزمة حقيقية في بوصلة الوعي العام.
نحن بحاجة ملحّة إلى تعزيز حضور المحتوى الجاد الذي يعالج القضايا الاجتماعية والثقافية المرتبطة بواقعنا، لكن الواقع يشير – للأسف – إلى تراجع هذا النوع من الإنتاج.
ومن هنا نوجّه دعوة صادقة إلى الجهات المختصة في مكتبي الإعلام والثقافة للعمل على تنظيم فعاليات وندوات وورش توعوية للحد من هذه الظاهرة، ودعم صُنّاع المحتوى الذين يقدمون قيمة حقيقية للمجتمع. كما نهيب بروّاد منصات التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة المحتوى الفارغ الذي لا يحمل أي رسالة.


