لقد أصبحت تعز مسرحاً لمأساةٍإنسانية
بقلم: موسى المليكي.
تعز التي تحولت إلى مسرحٍ لأغرب كوميديا تراجيدية في تاريخ الصراعات، يخوضها سياسيون يرتشفون القهوة في مكاتب مكيفة بينما الجنود على الجبهات يحتسون كأس الموت بدلاً من الرواتب. محافظ يعيش في برجٍ عاجي يصدر قراراتٍ ورقية بينما المدينة تشتعل وتتحول إلى ساحة حربٍ باردة.
ها هو يصدر قراره التاريخي بتشكيل لجنة لجباية ضرائب القات في وقتٍ لا تجد فيه الأمهات قوت أطفالهن وكأنه يعلنها صريحة: ليست المشكلة في غياب الرواتب منذ خمسة أشهر ولا في الجرحى الذين يموتون بصمت بل في ضرائب نبتةٍ مخدّرة! سلطةٌ تتصرف وكأنها في عالمٍ موازٍ، تفقد شرعيتها يوماً بعد يوم، ترفض الاعتراف بشراكة المحور الفعلي الذي يتحمل عبء الدفاع عن المدينة دون راتبٍ أو دعم.
المحور العسكري يحرس أكثر من ٣٢٠ كيلومتراً من خطوط النار بجنودٍ أشباح، لا يرون في أحلامهم حتى رواتبهم، فيما السلطة المحلية تتعامل مع الأزمة وكأنها لعبة نفوذ بين حزبٍ يريد الهيمنة وآخر يمسك بخيوط القوة على الأرض.
الجرحى يذوبون ألماً والجنود يموتون جوعاً والمواطنون يعانون من حصارٍ مزدوج بينما المحافظون يناقشون ضرائب القات وكأنها معركة التحرير!
القرار الضريبي ليس سوى ذريعةٍ جديدة للضغط وتصفية الحسابات، محاولةٍ للسيطرة على الموارد لخدمة التحالفات الضيقة، دون أي إدراك أن القوة الحقيقية بيد من يسفكون دماءهم دفاعاً عن المدينة. إنها معادلة السياسي الفذ الذي حوّل تعز إلى مختبرٍ للعبث: مدينةٌ تُقصف من الخارج وتُنهب من الداخل.يا للسخرية! سلطةٌ تريد جباية الضرائب من رئتين لم تعدا قادرتين على استنشاق الأكسجين ومحورٌ يرفض أن يكون حارساً لمقبرةٍ جماعية. حرب الضرائب في زمن الجوع... حربٌ من ورق، يقودها محافظٌ في عالمٍ افتراضي بينما الدماء الحقيقية تسيل على ثغور المدينة.
لقد أصبحت تعز مسرحاً لمأساةٍ إنسانية بكل المقاييس: جيشٌ بلا رواتب، جرحى بلا رعاية، ومواطنون بلا أمل. والسلطة المحلية تزيد الطين بلة بقراراتٍ لا تلامس جوهر الأزمة ولا تقدم أي حلٍّ حقيقي. إنها الكوميديا الإنسانية في أقسى صورها حيث يتحول جوع الجنود ومعاناة المواطنين إلى خلفيةٍ لمشاهد صراع النفوذ والسلطة.
المحور يرفض أن يكون شاهد زفافٍ على جثة تعز، ويرفض أن تتحول تضحياته إلى بطاقة مساومة في سوق النخاسة السياسية.
تعز اليوم على حافة الانهيار والقرار الضريبي مصيره الفشل لأن من أصدره لا يملك أدوات تنفيذه ولا حتى شرعية الأرض التي يتحدث عنها.
إنها لحظة الحقيقة التي ستكشف من يمسك فعلياً بزمام الأمور في هذه المدينة المعذبة... المدينة التي أصبحت رقماً في معادلات السياسيين وشاهداً على زمنٍ انقلبت فيه الموازين: من يدافع عن المدينة يُتّهم ومن يتقاعس يُصفَّق له تعز تموت ببطء ونحن نرقص على أنغام قراراتٍ حبرها أغلى من قيمتها قراراتٍ لا تطعم جائعاً ولا تعالج جريحاً، لكنها تصلح لتزيين جدران العبث السياسي الذي أصبحنا نعيشه.


