أبو عمار.. رجلٌ يصنع النور في زمن العتمة

بقلم: طلال الزريقي

ياسر فارع أحمد الزريقي “أبو عمار”.. ذلك الرجل الذي يمضي في الحياة كما يمضي الضوء في آخر الممر؛ هادئًا، خفيف الخطى، لا يطلب شيئًا لنفسه، ولا يرفع صوته في الزحام، لكن حضوره يسبق وصوله، وأثره يتوهّج في القلوب قبل أن يدرك أحدٌ أنه مرّ من هنا.. رجلٌ اختار أن يكون ضوءًا، فصار الضوء يقتفي أثره.

يشبه في حضوره الجبال حين تصمت؛ صمتٌ مهيبٌ لا فراغ فيه، ممتلئ بالقيم، مترف بالعطاء، عميقٌ بالنُّبل حتى الجذور.. لا يمتنُّ بفضيلة، ولا يلوّح بصنيع، ولا يرفع راية تُشير إليه.. يكفي أن يعرف أنه ترك أثرًا أبيض في قلب أحدهم، أو أنه كان سببًا في انطفاء وجع أو اتساع أمل.

هو من أولئك الذين يعملون في الظلّ، فيمسّون جوهر الأشياء بلا ضجيج، ويرمّمون تفاصيل الحياة بإخلاصٍ خالصٍ لا يعرف الرياء.. يمرّون على القرى والبيوت والناس كالسحابة: تعطي وتمضي، ولا تنتظر شكرًا ولا تُحصي ما أنجزت.

وفي زمنٍ أثقل كاهل الناس، وتكاثفت فيه الأزمات، وقلّت فيه الأيدي التي تمتد للمساعدة، كان "أبو عمار" سندًا لا يضجُّ به الواقع، لكنه يخفف وطأته.. جمع شتات ما يستطيع، وقاسم الناس إمكانه، ووقف معهم في اللحظة التي يتراجع فيها الكثيرون.

واجه البطالة بما يملك من إرادة وصلابة، وفتح نوافذ للعمل حين أحكمت الأبواب إغلاقها. أعاد للقرية نبضها عبر مشاريع صغيرة أعادت الحياة لدروبها، ورفعت سقف الأمل في نفوس شبابها، ومنحت الفقراء فرصة للبدء من جديد.

لم يتبدّل قلبه، ولم تغيره الأيام ولا المواقف.. ظلَّ الرجل الذي يكرم الناس بقلبه قبل ماله، ويصدق في فعله قبل قوله، ويحمل أخلاقه كما يحمل ظلّه: ثابتة، لا تتلوّن، ولا تتبدّل مهما تغيّرت الظروف وتقلّبت الأحوال.

يعرف "أبو عمار" أن الإنسانية ليست شعارًا يُقال، بل خطوة في الطريق، ويد تمتد في العتمة، وموقف يتجاوز اللحظة ليبقى أثرًا حيًّا في الذاكرة، وبصمة لا يمحوها الزمن مهما تهالكت الأيام وتتابعت القسوة.

تحيةُ حبٍّ وإجلالٍ وتقديرٍ لذلك الرجل الذي اختار أن يكون ضوءًا في زمنٍ شحيح بالنور.. وإكبارٌ لعطائه الذي يسكن الناس قبل الأماكن.. ولروحٍ كبيرةٍ لا تعرف إلا الخير طريقًا، ولا تجيد إلا ترك الأثر حيثما حلّت.