حين يصبح النوم دَينًا آخر… حكاية من أنهكتهم الديون
بقلم: صفاء المليح
ليست الديون مجرد أرقام تتراكم في الدفاتر، بل وجعٌ صامت يسكن القلب، ويثقل الروح قبل أن يُرهق الجيب. من أنهكته الديون يعرف كيف يضحك أمام الناس وقلبه مثقل، وكيف يؤجل أحلامه لأن الواقع صار أقسى من الاحتمال.
تبدأ الحكاية بمحاولة صادقة للعيش بكرامة؛ عمل، اجتهاد، وسعي حلال. ثم تأتي الحياة بما لا يُتوقع: مرض، خسارة، مسؤوليات أكبر من القدرة، فتتكدّس الديون ويضيق الصدر، وتتحول الأيام إلى قلق، والليالي إلى أرق، ويصبح النوم دَينًا مؤجّلًا.
أقسى ما في الديون ليس الفقر، بل الانكسار الداخلي. أن تخاف من رنين الهاتف، وأن تتحاشى الطرقات والوجوه، وأن تحصي الوقت بين مطالبة وأخرى. أن تشعر بأنك محاصر، رغم أنك لم تطلب إلا فرصة لتقف من جديد.
من أثقلته الديون لا يحتاج موعظة، بل نظرة رحمة. يحتاج من يسمعه دون حكم، ومن يمد له يدًا لا تُشعره بالذل. فكم من إنسان كان معطاءً، كريمًا، يسبق غيره إلى الخير، حتى جاء يوم اضطر فيه أن يطلب المساعدة وقلبه يسبق لسانه خجلًا.
ورغم كل هذا الوجع، يبقى في القلب بصيص أمل. فالله يرى الدموع التي لا يراها الناس، ويسمع الدعاء الذي يُهمس به في ظلمة الليل. وما من كربة صدق صاحبها مع الله إلا وكان لها فرج، وإن طال الطريق.
إلى من أنهكته الديون: أنت لست ضعيفًا، أنت متعب فقط، وما زال فيك من القوة ما يكفي لتنهض حين يفتح الله لك بابًا.
وإلى القادرين على العطاء: ربما تكون يدك اليوم طوق نجاة، ورحمة صغيرة منك قد تُعيد إنسانًا للحياة.
فبعض الديون تُسدد بالمال،
وبعضها لا يُسدد إلا بالرحمة.
بقلم:
صفاء المليح ✍️


