الشيخ الأستاذ منصر هيثم القسيمي بن علي شخصية تربوية وإدارية وقبلية بارزة في يافع

في إطار سلسلة الشخصيات التربوية البارزة التي يتناولها منتدى القارة التربوي بيافع – محافظة أبين، نسلّط الضوء على إحدى القامات التربوية والاجتماعية والقبلية التي كان لها حضورها المؤثر وبصماتها الواضحة في مسيرة التعليم وخدمة المجتمع، وهو الشيخ الأستاذ منصر هيثم حسين القسيمي بن علي، الذي أسهم بإخلاص وتفانٍ في العمل التربوي والإداري والاجتماعي بمديرية يافع رُصد ويافع عامة.

الميلاد والنشأة

وُلد الشيخ منصر هيثم عام 1957م في قرية رهوة بن علي بمديرية يافع رُصد – القارة – محافظة أبين، ونشأ في أسرة فلاحية بسيطة، شكّلت قيم الاعتماد على الذات والعمل الجاد جزءاً أساسياً من شخصيته.
بدأ تعليمه في أحد الكتاتيب (المعلامة) لتحفيظ القرآن الكريم، حيث تلقّى تعليمه الأولي على يد الفقيه محسن ثابت العمودي لمدة خمسة أشهر، ثم واصل تعليمه لدى الفقيه محمد ناصر الشنبكي، وتمكّن خلال تلك المرحلة من إجادة القراءة والكتابة وحفظ عددٍ من سور القرآن الكريم.
ومع الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وبداية تأسيس التعليم النظامي، التحق بعددٍ من الطلاب للدراسة في موقع (العدنة)، بعد أن بادر الأهالي ببناء صفوف دراسية بجهود جماهيرية. إلا أن ظروف الحياة لم تمكّنه من الاستمرار في الدراسة آنذاك، حيث أُسندت إليه من قبل والده مهام الرعي والعمل في الزراعة لعدم القدرة على توفير متطلبات المدرسة.
غير أن إصراره على التعليم لم يخمد، فعاد إلى الدراسة في العام الدراسي 1972 / 1973م، وتم تحديده في الصف الرابع الابتدائي نظراً لمستواه في القراءة والكتابة، واستمر حتى جلس لامتحانات الصف السادس الابتدائي في العام الدراسي 1974 / 1975م، وكان من أنشط طلاب المدرسة، حيث انخرط في النشاط الطلابي للاتحاد الوطني، وأُسندت إليه مهمة المسؤول المالي.
المرحلة الإعدادية والتأهيل التربوي
في العام الدراسي 1975 / 1976م، انتقل إلى المدرسة الإعدادية برُصد، التي تعاقب على إدارتها خلال فترة دراسته كلٌّ من:
الأستاذ علي أحمد صالح (1975 / 1976م)،
الأستاذ عبيد صالح السقاف (1976 / 1977م)،
الأستاذ عيدروس نصر النقيب (1977 / 1978م).
واصل خلال هذه المرحلة نشاطه الطلابي والشبابي، وشارك في الحراسات والمبادرات الجماهيرية، وتدريس صفوف محو الأمية في القرى، كما التحق بالمعسكر الشبابي في جعار عام 1977م، الخاص بالتدريب العسكري والتثقيف السياسي والنشاط الجماهيري.
وفي العام الدراسي 1978 / 1979م، التحق بدار المعلمين في عاصمة محافظة أبين (زنجبار)، التي كان يديرها الأستاذ سالم علي كراد، وكان مشرف القسم الداخلي محمد مانع نصيب، إلا أن الأوضاع في تلك الفترة لم تساعده على استكمال دراسته بسبب التوظيف الإجباري.

التوظيف والمسيرة الإدارية

1- في 20 مارس 1980م، تم إلزامه بالخروج من الدراسة وتوزيعه على مدارس المركز الثاني (رُصد) لسد العجز الحاد في الكادر التعليمي، وعُيّن مديراً لمدرسة الشهيد علي سعيد مجموع (الرفقة)، التي كانت تضم 87 طالباً و32 طالبة من الصف الأول إلى الصف الخامس دون الصف الثاني، ويعمل فيها خمسة معلمين.
2- في 25 سبتمبر 1981م، عُيّن صرافاً لمكتب الإشراف التربوي برُصد بديلاً عن الصراف السابق حسين محمد أمين، وكان ينزل شهرياً لإحضار المرتبات إلى أبين عبر طريق حطاط، وأثناء انقطاع الطريق كان يتحرك عبر السيلة البيضاء – لودر، وأحياناً عبر لحج والحبيلين العسكرية إلى سوق السلام، ثم يواصل عبر ذي ناخب حتى مفرق الطريق بين اليزيدي وسباح وصولاً إلى رُصد، بحيث تستمر الرحلة لأكثر من يومين. وخلال العام الدراسي 1982 / 1983م، أكمل المرحلة الثانوية بنجاح عن طريق الانتساب عبر وزارة التربية والتعليم – عدن، مع عددٍ من زملائه، وهم:
الأستاذ عيدروس هادي السرحي، الأستاذ فؤاد صالح عبدربه (رحمه الله)،
محضار صالح عوض،
علي حسين سالم،
عثمان علي عبدالقوي.
واستمر في عمله حتى عام 1987م، عندما حدثت تعديلات إدارية وتحويل مركز رُصد إلى مديرية مستقلة، وضمّ إليها مناطق الركب، وامسدارة، وكلسام، وحمّة.
3- عُيّن رئيساً لقسم الحسابات حتى عام 1994م، حيث تميّز القسم بالانضباط والدقة، وصُرفت مرتبات الموظفين في تاريخ 25 من كل شهر، واحتلت مديرية رُصد المرتبة الأولى على مستوى محافظة أبين في انتظام صرف المرتبات وتطبيق النظام والقانون. وكان حينها عدد العاملين في قسم الحسابات 14 موظفاً، لإعداد مرتبات الموظفين في البابين الأول والثاني، وخطوط ترحيل الطلاب من مناطقهم إلى المدارس، والبالغ عددها 74 خطاً، وكانت معظم الفواتير تُعدّ بخط اليد وباستخدام آلات الطباعة اليدوية القديمة، ويتم تسليم المرتبات يداً بيد.
4- بعد الوحدة اليمنية عام 1990م، واصل عمله رئيساً لقسم الحسابات حتى عام 1995م، قبل إغلاق القسم نتيجة التحول إلى النظام الآلي، ونقل الصلاحيات من المديريات إلى المحافظات ووزارة التربية والتعليم.
5- تعرّض للإقصاء القسري من قبل الإدارة الجديدة في مكتب التربية لأسباب حزبية، مع عددٍ من زملائه، منهم: الأستاذ أحمد عوض الوجيه، وحزام منصر حلبوب (رحمه الله)، والأستاذ طاهر حنش، والأستاذ صالح المقفعي (رحمه الله)، وآخرون.
6- في عام 1997م، تمت إعادتهم إلى العمل بعد عامين من الإقصاء، وإعادة ترتيب أوضاع القيادات التربوية.
7- عُيّن مديراً للشؤون المالية والإدارية بمكتب التربية والتعليم حتى عام 2003م.
8- عُيّن مديراً لمكتب المدير العام (المأمور) بالمديرية، المهندس فضل حسين السليماني، واستمر في عمله حتى بلوغه سن التقاعد عام 2015م، بعد خدمة تربوية وإدارية امتدت 35 عاماً.
الأنشطة الاجتماعية والوطنية
شارك الشيخ منصر هيثم في العديد من الأنشطة الاجتماعية والوطنية، من أبرزها:
1- المشاركة الفاعلة في تدريس محو الأمية وتعليم الكبار للنساء والرجال، بتكليف من الاتحاد الوطني للطلاب واتحاد الشباب، والمشاركة في الحراسات الليلية والمبادرات الجماهيرية في المنشآت والطرقات.
2- المشاركة في معسكر الشباب الصيفي الذي أُقيم بمناسبة الذكرى العاشرة للاستقلال الوطني (30 نوفمبر) في مدينة جعار – أبين، والذي نُفّذت خلاله أعمال حفر لتمديد كابلات أرضية من جعار إلى زنجبار، وحاز على الجائزة الأولى (بطل الإنتاج)، جائزة وشهادة من محافظ أبين واتحاد الشباب اليمني، وكان السكرتير الأول بالمحافظة قاسم عبدالله البعسي ونائبه زيد ثابت محسن، واستمر المعسكر 40 يوماً.
3- المشاركة في المهرجان التراثي اليافعي الذي أُقيم في عدن.
4- المشاركة في إعداد الموازنة العامة للدولة لعام 2000م.
5- المشاركة في الدورة التدريبية التي نظمها مكتب التخطيط والتعاون الدولي بمحافظة أبين لأجهزة السلطة والمجالس المحلية عام 2001م.
6- الاشتراك في حرب 1978م ضمن قوام المليشيا الشعبية (حرب سالمين)، وأحداث 13 يناير 1986م ضمن القوة التي تحركت من رُصد بقيادة علي أحمد حسين المخيري عبر طريق حطاط، وكذلك في حرب 1994م دفاعاً عن الجنوب.
7- من المساهمين في الحملة الوطنية الشاملة لمحو الأمية وتعليم الكبار لعام 1984م، وكان عضو اللجنة المشرفة في رُصد.
8- الاشتراك بدورة تدريب عسكري في لودر لأعضاء منظمة الحزب لمدة 30 يوماً.

التكريمات والشهادات التقديرية

حظي الشيخ الأستاذ منصر هيثم القسيمي بن علي بعددٍ من التكريمات والشهادات التقديرية خلال مسيرته التربوية والتعليمية والاجتماعية، من أبرزها:
شهادة تقديرية من مكتب الخزانة الفرعية بمحافظة أبين عام 1985م.
شهادة تقديرية من اتحاد الشباب اليمني عام 1978م.
شهادة تقديرية من الاتحاد الوطني لطلبة اليمن عام 1975م.
تكريم مركزي في العاصمة صنعاء بمناسبة يوم العلم والمعلم عام 2010م، نال خلاله شهادة وتُرساً من وزير التربية والتعليم الدكتور عبدالسلام الجوفي.
تكريم من قبل الجالية الجنوبية في المملكة العربية السعودية.
شهادة تقديرية مجتمعية في يافع لدوره الفاعل في إصلاح ذات البين.
شهادة تقديرية وثلاثة تروس (دروع) تكريمية عام 2025م؛ الأول برعاية القائد عبدالرحمن المحرمي (أبو زرعة) نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي وتنظيم مركز نور العلم، والثاني من منتدى القارة التربوي، والثالث من مكتب التربية والتعليم بمديرية يافع رُصد.

شهادة الكاتب

كانت معرفتي الأولى بالزميل العزيز الشيخ منصر هيثم عند تعيينه في أول عام دراسي مديراً لمدرسة الرفقة، في الفترة التي كنتُ فيها مديراً لمدرسة الجلاء – ظلمان. ثم تعززت هذه المعرفة وتعمّقت خلال تولّيه مهام صرف الرواتب الشهرية لمكتب الإشراف التربوي برُصد، حيث جمعتنا لقاءات متكررة أثناء سفره إلى محافظة أبين لإحضار المرتبات، ومتابعة ما يتصل بالتوظيف ومستحقات التربية والتعليم عبر طريق حطاط، وذلك حين كنت مديراً لمدرسة سرار.
وتوطدت العلاقة أكثر وازدادت متانة مع مرور السنوات، لا سيما خلال فترة العمل المشترك في مكتب التربية والتعليم أثناء إدارة المكتب من قبل الأستاذ أحمد عوض علي الوجيه ابتداءً من عام 1988م، فكان خير صديق وزميل عمل، يتميز بالعديد من الخصال والسجايا التي جعلته محل احترام وتقدير الجميع.
اتسم الشيخ منصر بروح المرح وحب الدعابة، وسرعة التسامح، والقدرة على الإقناع، فضلاً عن إتقانه لعمله وتعاملِه الإداري المرن البعيد عن التشدد والعصبية. وقد تمرّس على العمل المحاسبي وأتقنه بمهارة عالية، إلى جانب خبرته التربوية والتعليمية وتعاملاته الإدارية المستمرة، خلال مسيرة ميدانية امتدت خمسةً وثلاثين عاماً.
كما التحق بعددٍ من الدورات التدريبية الخاصة بمدارس المجتمع، التي أشرف عليها قطاع المناهج والتدريب بالوزارة، والممولة من منظمة اليونيسف، الأمر الذي أسهم في بروز شخصيته اجتماعياً، ليصبح أحد أبرز الشيوخ القبليين في المنطقة، ذا وجاهة فاعلة، يعمل بكل جد وإخلاص في إصلاح ذات البين، وحل الكثير من القضايا داخل المنطقة وخارجها، بما في ذلك قضايا الثأر والقتل التي عجزت الدولة في كثيرٍ من الأحيان عن معالجتها.
وكان كذلك من الداعمين والمشجعين للشباب في ثورة الحراك السلمي منذ عام 2008م، من خلال موقعه القبلي والتربوي، إلى جانب عددٍ من الشخصيات الاجتماعية والتربوية.
وبرغم هذه المسيرة الحافلة بالعطاء، فقد تم تعليق راتبه بين تربية أبين وهيئة التأمينات والمعاشات بعد بلوغه أجل الخدمة (35 عاماً) في عام 2015م، في مفارقة مؤلمة لا تليق بحجم ما قدّمه من خدمة طويلة ومخلصة في ميادين التربية والإدارة والعمل المجتمعي.
الخاتمة
يظل الشيخ الأستاذ منصر هيثم القسيمي بن علي مثالاً للتفاني والإخلاص في العمل التربوي والاجتماعي، وشخصية يُحتذى بها في يافع، لما قدّمه من عطاءٍ صادق وبصمات واضحة في مسيرة التعليم وخدمة المجتمع، فضلاً عن دوره البارز في حل كثيرٍ من القضايا والمشاكل وإصلاح ذات البين.
نتمنى له موفور الصحة والسعادة، وأن تستمر مسيرته الزاخرة بالعطاء والإلهام، وأن تبقى تجربته نموذجاً مُضيئاً للأجيال القادمة.