هندسة القرار السيادي لدولة الجنوب العربي 

في ظل التحولات العاصفة التي نشهدها في بلادنا من حرب الخدمات والإرهاب ، استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي أعادة صياغة المشهد السياسي عبر هندسة متكاملة تستهدف انتزاع حق القرار السيادي. هذه الهندسة لم تكن وليدة اللحظة، بل جاءت نتيجة مسار طويل من التحركات العسكرية، الشعبية، والمؤسسية، وصولاً إلى فضح ملفات الفساد ونهب الثروات، لتشكل معاً ملامح مشروع سياسي يتقدم بخطوات ثابتة نحو إعلان الدولة الجنوبية.  

المرحلة الأولى: التحركات العسكرية وبسط النفوذ

انطلقت ملامح المشروع الجنوبي من خلال التحركات العسكرية التي عززت السيطرة على الأرض، خصوصاً في المحافظات الشرقية، حيث تمكنت القوات الجنوبية من بسط نفوذها على مناطق واسعة. هذه السيطرة الميدانية لم تكن مجرد إنجاز عسكري، بل شكلت قاعدة صلبة مكّنت المجلس الانتقالي من فرض حضوره كقوة سياسية وعسكرية فاعلة، قادرة على حماية الأرض والدفاع عن القرار السيادي.  

المرحلة الثانية: التأييد الشعبي السلمي

توازياً مع الإنجاز العسكري، شهد الجنوب حراكاً شعبياً واسعاً اتسم بالسلمية، حيث خرجت الجماهير في ساحات الاعتصام مطالبة القيادة بإعلان الدولة الجنوبية. هذا الزخم الشعبي منح المشروع شرعية جماهيرية، وأكد أن مطلب السيادة ليس قراراً نخبوياً، بل هو مطلب جماهيري متجذر في الوعي المجتمعي، يعكس إرادة شعبية لا يمكن تجاهلها.  

المرحلة الثالثة: الدعم المؤسسي

مع اتساع رقعة التأييد، دخلت المؤسسات الحكومية على خط الدعم، معلنة تأييدها لقرارات الرئيس عيدروس بن قاسم الزبيدي. هذا الموقف منح المشروع طابعاً مؤسسياً يعزز من قوته وشرعيته، ويمثل انتقالاً من الزخم الشعبي إلى الإطار المؤسسي، ليصبح مطلب الدولة الجنوبية جزءاً من خطاب المؤسسات الرسمية، ويكتسب بذلك بعداً قانونياً وسياسياً أعمق.  

المرحلة الرابعة: كشف الفساد ونهب الثروات

في هذه المرحلة، اتجهت هندسة المجلس الانتقالي إلى فضح ملفات الفساد ونهب الثروات، خاصة ما تم كشفه من نهب الآبار النفطية في وادي حضرموت. هذه الخطوة لم تكن مجرد فضح للخصوم، بل مثلت معركة موازية لمعركة السيادة، تهدف إلى إعادة بناء الثقة بين القيادة والشعب، وإبراز أن مشروع الدولة الجنوبية يقوم على أسس من العدالة والشفافية، بعيداً عن الفساد والهيمنة.  

إن هندسة المجلس الانتقالي الجنوبي لانتزاع القرار السيادي لدولة الجنوب العربي تمثل مساراً متدرجاً يجمع بين القوة العسكرية، الشرعية الشعبية، الدعم المؤسسي، والشفافية في مواجهة الفساد. هذا المسار يعكس رؤية استراتيجية تسعى إلى إعادة بناء الدولة على أسس من السيادة والعدالة، ويؤكد أن مشروع الجنوب لم يعد مجرد حلم، بل واقع يتشكل خطوة بخطوة، مدعوماً بإرادة شعبية ومؤسسية تسعى لترسيخ هوية الجنوب العربي كدولة ذات قرار مستقل وسيادة كاملة.