مانتهينا عاد… نحن إلا بدينا

(صرخات الإخوان والحوثي والعفافيش والنخب الحزبية حين استعاد الجنوب قراره)

لم يكن ما جرى من إجراءات عسكرية وسياسية اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي حدثًا عابرًا، ولا خطوة ارتجالية، بل كان تحولًا استراتيجيًا أعاد رسم ملامح الصراع، ونقل الجنوب من خانة ردّ الفعل إلى موقع الفعل والسيادة.

تحوّلٌ أعاد تعريف الجنوب: من ساحة مفتوحة إلى كيان صاحب قرار، ومن خاصرة رخوة إلى جدار سيادي صلب.

ولأن التحولات الكبرى لا تمرّ بلا ثمن، فقد ارتفعت معها صرخات متزامنة، وعواء جماعي، من كل من اعتاشوا طويلًا على جنوبٍ بلا دولة، وبلا قانون، وبلا سيادة.

أولًا: الإخوان وأخواتها… إفلاس تجارة الدين.

صرخ الإخوان وأخواتها لأن الجنوب سحب منهم أخطر أسلحتهم:

سلاح تسييس الدين.

لم تعد المساجد منصات تعبئة حزبية،

ولا الجمعيات الخيرية قنوات تمويل مشبوهة،

ولا الفتوى تصريحًا مفتوحًا للنهب والغزو وتكفير الخصوم.

مشكلتهم الحقيقية مع المجلس الانتقالي الجنوبي أنه أعاد الدين إلى مكانه الطبيعي:

قيمة أخلاقية وروحية، لا سلعة سياسية ولا مشروع سلطة.

وحين تسقط القداسة المصطنعة،

لا يبقى للتاجر إلا الصراخ.

ثانيًا: الحوثي… عواء السلالة حين يُغلق المنفذ.

أما الحوثي، فصرخته نابعة من إدراكه العميق أن الجنوب المستقر يعني نهاية مشروعه التوسعي.

فهو لا يعيش إلا في الفوضى،

ولا يتمدد إلا في الفراغ،

ولا ينتصر إلا حيث تغيب الدولة.

إجراءات المجلس الانتقالي جعلت الجنوب سدًا سياديًا محكمًا، لا ممرًا رخْوًا ولا ساحة تسلل، فأُغلقت الطرق، وانسدّت المنافذ، وكان العواء ردًّا طبيعيًا على انسداد الطريق.

فالجنوب بالنسبة للحوثي ليس “قضية”، بل بوابة.

وحين تُغلق البوابات… يعلو العواء.

ثالثًا: العفاشية… أشباح دولة الغنيمة.

ثم خرجت بقايا نظام صالح، العفاشيون، وهم أيتام دولة الغنيمة المنهارة.

لا يؤمنون بدولة مؤسسات،

ولا يعرفون مشروعًا وطنيًا،

بل يحنّون إلى زمن النهب المنظّم، والقبضة الأمنية، وتقديس الفرد.

كرههم للمجلس الانتقالي سببه أنه:

كسر مركزيتهم الزائفة

أسقط وهم “الدولة القوية”

فضحهم كمرحلة سوداء انتهت ولن تعود

صرختهم ليست موقفًا سياسيًا، بل حسرة على امتيازات ضائعة.

رابعًا: القبيلة المؤجَّرة… بكاء الولاءات المدفوعة

وليست القبيلة الاجتماعية الأصيلة، بل القبيلة المؤجَّرة:

قبيلة الشيك والسلاح،

قبيلة “مع من غلب”.

هذه القبيلة بكت لأن الجنوب لم يعد يشتري الولاء،

وعوت لأن القرار لم يعد يُصنع في الخيام ولا يُسوَّق في المواسم.

المجلس الانتقالي طرح معادلة واضحة لا لبس فيها:

مؤسسات لا مشيخات، دولة لا عصبيات، قانون لا صفقات.

خامسًا: شيوخ المصافي وهوامير الخشعة… حين ينكشف اقتصاد النهب

ولم تكتمل جوقة العواء إلا بصرخات شيوخ المصافي الخاصة، وهوامير الفساد في الخشعة وغيرها، أولئك الذين حوّلوا الأرض إلى خزانات، والسيادة إلى صهاريج، والدولة إلى ورقة مرور مختومة بالنفوذ.

مصافٍ بلا ترخيص،

مشتقات بلا جمارك،

مليارات تُشفط من قوت المواطن،

وأرباح تُكدّس في جيوب قلة تحوّلوا من شيوخ إلى أباطرة ظل.

لم يكونوا تجارًا، بل قراصنة برّ،

ولم يبنوا اقتصادًا، بل استثمروا في الفوضى،

ولم يختلفوا عن أمراء الحرب إلا بالبدلة واللقب.

صرخوا لأن المجلس الانتقالي أغلق الصنابير غير الشرعية،

وضرب شبكات التهريب،

وكسر التحالف القذر بين الشيخ، والتاجر، والسلاح، والفساد الإداري.

مشكلتهم ليست مع “الإجراءات”،

بل مع فكرة الدولة نفسها.

سادسًا: النخب الاشتراكية والناصرية… شعارات بلا زمن

وتظهر هنا نخب حزبية تعيش على أرشيف الشعارات لا على قراءة الواقع:

نخب تتغنّى بالدولة المدنية وهي أول من صادر الدولة،

ترفع شعار الديمقراطية ولا تحتمل إرادة شعب خارج أطرها،

تبكي على “الوحدة” ولو كانت على حساب كرامة الجنوب.

لم يعودوا يسارًا لأنهم تخلّوا عن العدالة،

ولا قوميين لأنهم تحالفوا مع مركزية تُهمّش الشعوب،

ولا تقدميين لأنهم يقفون ضد تحرر الجنوب الحقيقي.

لماذا اجتمع عواؤهم؟

لأنهم جميعًا – رغم اختلاف اللافتات – خسروا الجنوب دفعة واحدة:

خسروا ساحة، وورقة، ونفوذًا، ومختبر فوضى.

فالجنوب حين كان ضعيفًا كان مقبولًا لديهم،

وحين استعاد قراره أصبح “مشكلة”.

الخاتمة: بداية لا تحتمل أنصاف المواقف.

مانتهينا عاد… نحن إلا بدينا.

ما يحدث اليوم ليس تصعيدًا، بل تصحيح لمسار تاريخي مختلّ.

والجنوب الذي صبر عقودًا لن يتراجع لأن تحالف الخراب يصرخ،

ولن يساوم لأن نخبًا عجوزًا فقدت دورها.

فليعولوا…

فليجتمعوا…

فليكتبوا بياناتهم الأخيرة…

فالجنوب اليوم:

لا ينتظر إذنًا

ولا يطلب شهادة وطنية

ولا يخضع لابتزاز سياسي أو ديني أو قبلي

مانتهينا عاد… نحن إلا بدينا.

ومن لم يحتمل هذه البداية…

فلن يحتمل ما بعدها.