اندثار المسميات في لحج حنين إلى الماضي وتغيرات الزمن

في محافظة لحج، وبين طيات الأيام التي مضت، كانت هناك مسميات وألفاظ مميزة تحمل في طياتها نكهة الزمن الجميل الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا. مسميات وأسماء كانت تتردد على مسامعنا مع كل خطوة نخطوها في طرقات القرى والمدن، وكأنها نغمات موسيقية خاصة بالحياة اليومية في تلك الأزمنة.

ديمة، حوش الماشية، السهوة، سقيفة، مربعة، خلوة، نطع، نايلون، بنكة، مشكة وغيرها الكثير من تلك الأسماء التي كانت جزءاً لا يتجزأ من لهجة أهالي لحج، اللهجة الأحجية العريقة. أسماء لم تكن مجرد كلمات، بل كانت تعكس عمق التراث الشعبي وثقافة المكان، حيث كانت كل كلمة ترتبط بتفاصيل دقيقة من حياة الناس آنذاك.

السهوة، التي كانت تستخدم كمطبخ في البيوت القديمة، لم تكن مجرد مكان للطهي، بل كانت محور الحياة المنزلية حيث تجتمع الأسرة لتناول الطعام أو تحضير الأكلات المحلية. أما السقيفة، فهي المكان الذي كان الأجداد يستظلون فيه من حر الشمس، يجلسون ليتبادلوا أطراف الحديث أو ليقضوا أوقاتاً هادئة في ظل أجواء بسيطة، لكن مليئة بالدفء والحميمية.

الديمة كانت رمزاً آخر من رموز الحياة اليومية، وهي المكان الذي كان يُخزن فيه الطعام أو الأدوات المهمة، وكأنها غرفة تخزين بلمسة تقليدية. وفي حوش الماشية، كانت تربى الحيوانات وتعتني بها الأسر الريفية، وهو جزء لا يتجزأ من الحياة الزراعية في لحج.

المربعة كانت إشارة إلى زاوية معينة في المنزل أو المجلس، حيث كانت تجلس الشخصيات المرموقة أو الكبار في السن. وفي الخلوة، كان الناس ينعمون بلحظات من السكون والراحة بعيداً عن صخب الحياة اليومية.

لكن مع مرور الزمن، ومع تغير شكل المكان وتبدل العادات والتقاليد، اندثرت هذه المسميات كما اندثرت اللهجة الأحجية التي كانت يوماً رمزاً لهوية لحج الثقافية. أصبحنا نجد أنفسنا في عالمٍ جديد، تهيمن فيه مسميات حديثة لا تمت بصلة للتراث القديم، وتحل مكانها كلمات معاصرة نابعة من العولمة وتغير الثقافات.

لقد تغيرت لحج بشكل كبير، تغيرت معها المساكن والأحياء، تغيرت الطرقات والبيوت، حتى اللهجة الأحجية نفسها أصبحت أقل انتشاراً بين الأجيال الجديدة. لقد اختفت تلك المسميات، واندثرت معها قصص وحكايات كانت تعبر عن بساطة الحياة وروحانية الزمن الماضي.

رحم الله أهلنا وأجدادنا الذين عاشوا تلك اللحظات البسيطة والنقية، والذين كانت كلماتهم تعكس روحًا أصيلة تعبر عن طبيعة الحياة في لحج آنذاك. لقد اختفت تلك الكلمات، كما اختفت الكثير من العادات والتقاليد التي شكلت هوية المجتمع اللحيجي. ومع كل تغير يأتي الحنين إلى الماضي، إلى تلك اللحظات التي كان فيها المكان والزمان أكثر بساطة وأكثر دفئاً.

إن هذا التغير ليس مجرد تغير في المسميات فقط، بل هو تغير في الروح أيضاً، تلك الروح التي كانت تربط الأجيال بالمكان وتعطي للحياة معنى مختلفاً. واليوم، ونحن ننظر إلى الحاضر، نجد أن هذه الكلمات لم تعد تُستخدم، وأصبحت جزءاً من ذاكرة الزمن المنسي.

فليكن هذا المقال دعوة للبحث عن جذورنا، والتمسك بما بقي من تراثنا، حتى لا تنسى الأجيال القادمة تلك الكلمات التي كانت يوماً تعبيراً عن هوية لحج وماضيها العريق.