الوحدة من قدر ومصير إلى مصير قذر

يخطى من يعتقد ان الحراك الجنوبي قد بدأ منتصف العام 2007م مع اعتصامات ومظاهرات العسكريين المسرحين من وظائفهم بعد حرب 94  بل ان بدايات الحراك الجنوبي تعود إلى الأشهر الأولى من قيام الوحدة او بالأحرى بعد انقضاء شهر عسل الوحدة على حد تعبير الشهيد الوحدوي المغدور به الأستاذ عمر الجاوي

كان انطلاق الحراك بالاعتكافات الصامتة للأستاذ علي سالم البيض.. التي كانت صامته في أولها لان البيض كان يعيش لحظات الندم وتأنيب الضمير عن نواياه الصادقة في تحقيق الوحدة وعن تضحيته بأصحاب المصلحة الحقيقة في الثورة من أبناء دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الذين باتوا بين ليلة وضحاها يجدون عاصمتهم عدن قد تحولت إلى عاصمة في دولة شقيقة على حد تعبير احد شعراء عدن , و كان دائما ما يذكر في خطاباته عبارات ( من اجل اليمن ,طيب واليمن) وهي عبارات تبدو ربما اعتيادية لكنها كانت متلازمة بغصة وحشرجة في حنجرة البيض تظهر كموسيقى تعبيرية عن حاله الرجل المأساوية, 

و كان البيض غبيا في صدقة لهذا كان يعيش لحظات جلد الذات وتأنيب الضمير في مقر إقامته في القصر الجمهوري بصنعاء
كان البيض مشغولا في الخروج من الورطة التي كان يضنها وحدة، وفي نفس الوقت كان الرفاق ينتحرون على جسر الرغبات يلهثون نحو الثروة بالخروج من عبأة الثورة , كانوا يتسابقون نحو المال والعقار زينة الحياة الدنيا, كانوا يلهثون لإشباع ملذات حرموا منها زمنا ضاربين بعرض الحائط بكل أفكار الصراع الطبقي ومبادئ أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة...و... وكل شعارات العنف الثوري التي أمطرونا بها اكثر من ربع قرن من الزمان ،
كان البيض دائما ما يقول بألم وندم انه قدم دولة وارض شاسعة وثروات بكر وشعب طيب مسالم حضاري ، وعلى درجة أعلى من ثقافة الغاب والقرون المتخلفة التي يعيشها الطرف الاخر من اجل الحلم واليوم الموعود اي من اجل اليمن والوحدة.

تالم البيض كثيرا حين اكتشف ان الطرف الأخر اعتبر نوايا الحلم الوحدوي انتصار لتحقيق الاحتلال او الغزو الداخلي على حد تعبير استأذنا الفاضل الدكتور المجلود والملبوج العالم الكبير ابوبكر السقاف
ومنذ اللحظات الأولى انكشف القناع ليبدو وجه بشع أحال الوحدة من قدر ومصير الى مصير قذر، كانت الوحدة بالنسبة للطرف الأخر كغزوة فتح مكة أو ربما الاحتلال البريطاني لعدن والجنوب العربي او كلاهما معا في الظاهر والباطن , وقد عبر البيض نفسه عن تلك النوايا الصادقة وغدر الطرف الأخر بعبارات كثيرة منها الخناق بالعناق, وهي من تعبيرات للأستاذ البيض بعد الصمت وتأنيب الضمير فكانت خطاباته التي ألهبت الضمير الجنوبي المغلوب على أمره بينما كان رفاقه الحاليين حينها والسابقين في لحظات ترقب انتهازي مريب للطرف المنتصر, ورجل في صنعاء ورجل في عدن.. ويا فرحة اصحاب المناطق الوسطى.

كان البيض لوحدة يصرخ , وكان البعض يلمح ويقول ( لا تخلوا البيض لوحدة في السلة ) كما جاء في شقلبانيات العولقي في التجمع الوحدوي ولا ادري بالضبط حتى الآن ان كان يقصدها –البيض-- بكسر البا او بفتحها .
وانهزم البيض بالانتصار الذي حققه الطرف الأخر يوم 7 يوليو 94 بعد حرب اعتقد هو في بدايتها انها ليس الا ( طيش فيش) او (مافي شر) ولم يكن مدركا لغدر الرفاق السابقين و(الموخرين) على حد تعبير المسيبلي رحمة الله في تركة العولقي.. 
وكان البيض غبيا في صدقة , نعم غبيا في صدق التعامل مع طرف الوحدة وايضا مع الرفاق حتى اولئك الرفاق الذين أبدو في الساعات الأولى للحرب سخريتهم من ما كانوا يسموه( بنظام صنعاء العميل ) كانوا ايضا يسخرون من علي البيض سرا في مجالسهم الخاصة على شرفات صيرة وهم يحتسون أخر كؤوس الفودكا قبل ان يدخلوا في دين الله افواجا بعد يوم الفتح في السابع من يوليو وهو ما فعله ايضا رفاقهم المسطولين في سواحل ابين وجولد مور 
او اولئك الضباط الذين كانوا يداومون ايام الحرب من التاسعة الى الثانية ظهرا- دوام رسمي يومي اعتيادي – في بلد كانت لقيادة العسكرية تعلن الاستعداد القتالي العالي من عدن حتى المهرة لو سمعوا طلقة رصاص من شمال غرب افريقيا ، 
أو أولئك الذين اخلوا قراهم ومناطقهم تحت مسمى التكتيك العسكري وضع الكمين للعدو بالانسحاب بعد أن استلموا دولاراتهم المزورة حتى طار فتيل عقول بعضهم 
و كذا أتباع مذهب (اقطعوا ايدي يا سيادة الرئيس ) أو الأنصار من جماعة (مخلف صعيب لكن قليبي ما هانش )
كان البيض لوحدة يكابد في الاعتكاف والأزمة والحرب والانفصال ,
لهذا كان من حقه ان يصمت خمسة عشر عاما او يزيد ثم يستأنف الانفجار على نغمات (اللي شبكنا يخلصنا )
كانت صرخات البيض تنادي بالمواطنة المتساوية ورفض الوحدة بالضم والإلحاق والديمقراطية بالاستقواء العددي والسكاني و رفض الفساد ومبادئ مروا وافندم وحق بن هادي وبيع السلاح في سوق الحراج وعصابات تزوير العملة والمهربين وناهبي الضرائب والمال العام . 

وكان البيض غبيا في حلمة بدولة النظام والقانون وحلم المشروع الحضاري الذي اعتقد بعض من رفاقه بأنه مشروع عقاري او ما يشبه المشاريع اليمنية السوفيتية، وكلها مشاريع
إذا تقييم إخفاقات دولة الوحدة وغياب الوعي الحقيقي بها منذ اعلانها وكل القضايا التي طرحها الاستاذ علي سالم البيض أثناء الاعتكاف والأزمة والحرب اضافة الى طروحات بعض الشرفاء الذين لم يغيروا من جلودهم بعد الفتح المبين او عودة المغررين والمغرورين, 
تلك الأطروحات الصادقة هي التي يجب ان تكون منطلقات القضية الجنوبية والحراك الجنوبي وهي التي ستحقق الصيغة المنطقية لا الانفعالية في خيارات فك الارتباط اوالكونفدرالية او حتى اصلاح مسار الوحدة الميؤس منها وهي يجب ان تكون ايضا منطلقات الحوار مع الطرف الآخر .