دثينة والقضية الفلسطينية

كتب: أبو زين ناصر الوليدي

حديثنا اليوم عن البطل المجاهد ابن العطفة {عبد ربه علي حسين دقفة الفطحاني}. ( مواليد ١٩٠٢م) 
ولد هذا البطل على قمم جبال منطقة العطفة التابعة اليوم لمديرية جيشان وهو من رجالات علة الشجعان، وكأن صعوبة تلك الجبال التي تتناثر فيها قبائل الفطحاني أورثت الرجل قوة وبأسا وعزة وشموخا وعشقا للحرية، فما أن تجاوز الفطحاني سن الثلاثين حتى التحق بالجيش الجنوبي في ظل الاحتلال البريطاني، وهكذا يتنقل البطل من موقع عسكري إلى آخر، حتى حدثت الحادثة التي غيرت مسير حياته، ففي عام ١٩٤٢م حصلت مواجهات سلمية بين المواطنين في عدن والقوات البريطانية، وتصاعدت الاشتباكات، فبدأ الإنجليز باستخدام السلاح لتخويف المواطنين، وكان البطل الفطحاني يراقب المشهد عن كثب، فشاهد أحد الضباط البريطانيين يطلق النار على أحد المواطنين فأرداه قتيلا، وهنا فارت دماء العزة في عروق الفطحاني وفقد القدرة على التحمل وترك كل الحسابات ووجه بندقيته إلى ذلك الضابط الكافر الأثيم وأطلق عليه النار فأرداه قتيلا ثأرا وانتقاما لأخيه المواطن الذي لا يعرفه شخصيا ولكنه يعرف أنه مواطن مسلم عدني ثار من أجل حرية بلده.
ألقت المجموعة المسلحة القبض على عبد ربه الفطحاني وقدم للمحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة طويلة قد تصل إلى المؤبد، وفي سجنه لم يستسلم الرجل لليأس والإحباط بل ظل ينتظر الفرج من الله مع بزوغ كل فجر وغياب كل شمس.
قضى الفطحاني عاما كاملا في محبسه واستطاع بعدها أن يهرب من السجن بمساعدة بعض الضباط والجنود الأحرار.
ولأنه أصبح المطلوب الأول للسلطات البريطانية فقد رأى أن يغادر البلاد إلى المملكة العربية السعودية وكان ذلك في زمن الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة العربية السعودية الثالثة رحمه الله.
في مدينة جدة استقر به المقام وأخذ يبحث هناك عن سبل الحياة كغيره من اليمنيين المقيمين في المملكة في تلك المرحلة التي شهدت أسخن أحداث القرن العشرين، فقد كان العالم يصطلي بنيران الحرب العالمية الثانية والتي انتهت بهزيمة الألمان وحلفائهم وانتصار دول الحلفاء، وبرزت على الساحة الدولية قوتان جديدتان هما اللتان حسمتا نتائج هذه الحرب الكونية وهما الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، وبدأت في العالم دورة جديدة أفل فيها نجم فرنسا وبريطانيا فأخذتا تلملمان نفوذهما من المستعمرات العتيقة ثم تحدث وفق ذلك تغييرات كبيرة في خريطة العالم، وما يهمنا هنا هو  وضع فلسطين، إذ أن بريطانيا حين أدركت أنها ستغادر فلسطين قامت بتجميع اليهود من كل أنحاء العالم ثم نظمتهم ودربتهم وجهزتهم تجهيزا كاملا لكي يخلفوها في السيطرة على الأرض المقدسة، فأعلنت إنهاء الانتداب والخروج من فلسطين ومن ثم بدأت المجازر اليهودية للشعب الفلسطيني الأعزل بعد أن أعلن عن تأسيس (دولة إسرائيل) في ١٤ مايو عام ١٩٤٨م ولكن الشعب الفلسطيني لم يقبل بالأمر الواقع هذا وبدأت الصدامات والتي لم تتوقف أصلا منذ (سايكس بيكو) ولأن القوات الصهيونية مدربة ومسلحة فقد استطاعت السيطرة على الكثير من المدن الفلسطينية وتنفيذ الكثير من المجازر التي أدت إلى نزوح وتشريد الفلسطينيين من ديارهم.
وفي هذا الأثناء قرر العرب التدخل في هذا الصراع من أجل إنقاذ فلسطين والشعب الفلسطيني، فخرجت قوات من الجيش المصري والجيش السوري والجيش الأردني والجيش اللبناني والجيش العراقي والجيش السعودي وعدد كبير من المتطوعين والفدائيين مع كل جيش.
وقد دعا الأمير منصور بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي قواته للاستعداد للخروج إلى فلسطين ودعا المتطوعين من المواطنين للخروج مع الجيش.
وما أن سمع عاشق البندقية الفطحاني نداء (الله أكبر يا خيل الله اركبي) حتى عجت في عروقه دماء الجهاد والعزة والاستشهاد وانخرط هو وصديقه(الرباش ابن مديرية مودية) في صفوف القوات السعودية التي غادرت مطار جدة إلى القاهرة ومنها إلى العريش وهناك اختلطت بالجيش المصري وتوجهت إلى رفح.
شارك الجيش السعودي بأكثر من ثلاثة آلاف مقاتل ربعهم تقريبا من المتطوعين، وكان قائد القوات السعودية هو سعيد الكردي، وكان الفطحاني والرباش في نفس السرية.
وهكذا بدأت المعارك من جبهتين جبهة غزة وفيها قوات الجيش المصري والجيش  السعودي وجبهة الضفة الغربية وفيها بقية القوات العربية وببسالة استطاعت القوات المصرية والسعودية والمتطوعون من المجاهدين المصريين والسعوديين اسقاط المواقع اليهودية الواحدة تلو الأخرى سواء كان في الفالوجة أو دير البلح أو خان يونس والمجدل وسيدروت وغيرها
وأبلى الفطحاني والرباش بلاء كبيرا في هذه المعارك وكانت لهم عملية سارت بذكرها الركبان 
حيث طلب قائد القوات السعودية من ثلاثة فدائيين أن يتسللوا إلى مخيم لقوات صهيونية متمركزة قريبا منهم فنهض الفطحاني والرباش ومعهم تركي القحطاني لتنفيذ هذه المهمة الصعبة، فتسللوا في جنح الليل وهاجموا المخيم وأحرقوه وقتلوا كل من فيه وكانوا ( ٤٨) جندي صهيوني، وعاد الأبطال الثلاثة مخلفين وراءهم الجثث والدماء والحرائق تملأ ظلام الليل الدامس، ولم يصب أي منهما بأذى.
كانت القوات العربية في الجبهتين تحقق انتصارات كبيرة وهنا جاء دور الأمم المتحدة لتوقف هذا الزحف وتنقذ القوات الصهيونية من إبادة محققة ففرضت الأمم المتحدة قرار الهدنة في مطلع عام ١٩٤٩م، وقبل العرب هذا القرار وقد كانوا قاب قوسين أو أدنى من الانتصار حتى أن جولدا مائير قالت في مذكراتها: لا أفهم كيف قبل العرب هذه الهدنة.
وبقيت الهدنة مستمرة وجاء قرار التقسيم وبقيت القضية ملتهبة إلى لحظة كتابة هذه السطور.
عادت القوات العربية إلى عواصمها وعادت القوات السعودية إلى القاهرة ومنها إلى جدة واستقبلوا هناك استقبال الأبطال وكان أبطال هذه الغزوة هما الفطحاني والرباش والقحطاني.
وتثمينا للدور البطولي الذي قام به الفطحاني فقد منحه الملك الجنسية السعودية وبقي في المملكة العربية السعودية حتى وافاه الأجل مطلع عام ١٩٩٨م .
الجدير بالذكر أنه استشهد من القوات السعودية (١٥٥) شهيد تقبلهم الله .
غفر الله للفطحاني ورحمه وأسكنه فسيح جناته على جهاده للنصارى الإنجليز والصهاينة اليهود، فقد خرج من الدنيا وقد تشرفت يده الطاهرة بقتل ضابط بريطاني وأكثر من أربعين مقاتل صهيوني.
جمعنا الله به في جنات النعيم وبارك في ذريته حيثما كانوا وجعلهم خير خلف لخير سلف.

بقي السؤال :
من هو هذا البطل الرباش ابن دثينة ؟
تابعونا....