روح تهامية، قلب عاشق، وقلم لا ينضب
بقلم / محمد الشعبي.
من بين سهول تهامة الخصبة، وُلدت روح فريدة من نوعها، تحمل نقاء الطبيعة وعبق الحياة البسيطة. إنه الشاعر محمد إبراهيم الحشيبري، ابن اليمن الأصيل، الذي ترعرع بين الحقول وصخب الطفولة البريئة. هناك، حيث خبز أمه الساخن وضحكات إخوته كانا يشكلان نوتة موسيقية تصدح بالفرح، نشأ قلب ينبض بالحب غير المشروط، وروح تهامية صافية كنسائم الصباح.
محمد، بشغفه اللامحدود، يمثل رمزا للنقاء والإصرار. ورغم تحديات الحياة القاسية، فإن قلبه لم يعرف الحقد ولا الكراهية. قلبه الكبير يفيض حبًا وكرمًا، يعطي دون انتظار المقابل، مثل الأرض التي تمنح ثمارها لكل من يزرعها. عاش حياة مليئة بالتحديات، ولكنه عرف كيف يحوّلها إلى فرص. فمن أعماق الظلام، استخرج نوره الخاص، ومن صمت الريف صنع أعذب الألحان الشعرية.
كانت بداية رحلة محمد الأدبية عفوية، إذ وجد في ليلة هادئة كتابًا قديمًا بين رفوف الغرفة، فكان مدخله لعالم الأدب والشعر. وكأن المعلقات كانت تنتظره ليغوص في أعماقها ويستمد من كلماتها الإلهام. كان يقرأ وكأن الكلمات تخاطب روحه مباشرة، تشفيها من عناء السنين. بين "أغرّك مني أن حبك قاتلي" لامرؤ القيس و"لولا الحياء لعادني استعبارُ" لعنترة بن شداد، وجد محمد ذاته التهامية، التي تجمع بين جمال الصورة وصدق المشاعر.
اليوم، يقف محمد ككاتب وشاعر، يحمل إرثًا تهاميًا شعريًا فريدًا. كلماته ليست مجرد حروف على ورق، بل هي انعكاس لروح عاشقة للطبيعة وللحياة. قريحته الشعرية تتدفق كالنهر، تنساب بسلاسة، مفعمة بالصور الحية والمشاعر الصادقة. أما نثره، فهو نافذة مفتوحة على عالمه الداخلي، حيث تتناغم الأحلام والآلام لتشكل صورة فنية آسرة.
محمد إبراهيم الحشيبري ليس مجرد كاتب أو شاعر؛ إنه رمز للإصرار على تحقيق الأحلام، ومرآة تعكس نقاء القلب وصدق المشاعر. كلماته تذكرنا بجمال البساطة وقوة الإرادة. هو التهامي الذي يحمل روح الشعراء الكبار، ينسج من واقعه الأليم قصائد تعبر عن الإنسان في أسمى حالاته.
إنه محمد، الذي يعلّمنا أن الكتابة ليست مجرد فن، بل وطن نحتمي فيه من قسوة الحياة، ومرآة تعكس جمال الروح التي لا ينضب محتواها، كما لا ينضب شغفه بالكلمة.
محمد الجميل، ذاك الذي لا يسعى وراء الشهرة، لم أعرفه إلا من خلال حروفه وبوحه العذب. أصبحت كلماته لي ظلالًا أستظل بها من عناء الأيام، ونورًا أحيى به روحي، كأنها وطنٌ صغير يأخذني إلى عوالم من الجمال والنقاء.