ثلاث صور من الواقع

بعد إنتهاء صلاة المغرب شعرت ببعض التعب والفتور ربما عندي السكر مرتفع شوية لأني لي فترة لم اشتري العلاج المطلوب بحسب روشتة الطبيب لأنه غالي واشتري نوع رخيص بحسب ظروفي ربما لم يكن بنفس الجودة والفعالية والمواصفات المطلوبة ولأني ايضاً لم اقوم بفحص نسبة السكر التراكمية لأسباب الكل هذه الأيام يعرفها ويعيشها ويعانيها وهي الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة للغاية وعدم دفع الرواتب في وقتها لاكثر من شهرين متتالين وإنهيار العملة المحلية امام العملات الأجنبية والغلاء الفاحش الذي ينهش الناس التي اصبحت عاجزة ومش قادرة ولا لها باليد حيلة ولا تستطيع شراء المواد الغذائية والإستهلاكية الضرورية في ادنى صورة من الصور ولا تستطيع توفير قيمة العلاج لبعض الأمراض التي تعاني منها ولا لديهم المصاريف الكافية والضرورية المهم الكل يعاني وفي حالة يرثى لها والناس في عدن عزيزة ومستورة بثوب العافية ولا يعلم بهم إلا الله وحده.

المهم إني بعد خروج اعداد المصلين القيت بجسدي المنهك والمتعب بأحد زواياء المسجد لأخذ قسط من الراحة استعدادا لصلاة العشاء ، الحقيقة الناس متعبة ومنهكة وفي حالة يرثى لها الكهرباء طافي سبع ساعات والماء منقطع والمعيشة ضنكة ونكد اسوء ظروف نعيشها هذه الأيام ولم نعرفها في حياتنا من قبل ابدا رغم كل الظروف والإرهاصات والأحداث التي عصفت بنا وخاصة في مدينة عدن وضواحيها.

وفي تلك الأثناء جلس إلى جواري احد الجيران من كبار السن والذي لم يستلم معاشه لهذه الشهرين جلس وتحدث معي وقال لي ياشيخ احمد انا جيعان ومش قادر اروح السوق عند صاحب المطعم الذي اكل عنده لأني لم اسدد له الدين الذي علي وانا مستحي وخازي منه مع ان الرجل طيب كيف تشوف ياشخينا ايش يشتونا نسرق ونكسر اقفال الدكاكين والمخازن والمستودعات وينهش بعضنا البعض ونتقاتل على طول الطرقات وكاننا في غابة وليس في مدينة عدن التي كانت ام الدنيا وام الغني والفقير اصبحت وكأنها غابة موحشة القوي ياكل فيها الضعيف ومش معقول نقف متفرجين على اولادنا وهم يموتون من الجوع ونحن نقف عاجزين عن اطعامهم وتصور ياشيخنا اننا طول اعمارنا نرفض اكل السحت والحرام ولم نقبل به حتى في فترة وزمن الحروب والفوضى ان نسرق او ننهب او نأكل الحرام او نشارك في ذلك ابداً واليوم نحن نمر في اسوء ظرف واسوء مرحلة عرفتها في حياتي، إلى هنا وانتهت الصورة الأولى.

وعند عودتي بعد صلاة العشاء إلى المنزل والكهرباء طافي منذ الساعة الخامسة مساء وستستمر إلى غاية الساعة التانية عشرى ليلاً وإذا بي امام احد الأولاد وهو اصغر اولادي وهو مستحي مني ومش جاسر يتحدث معي وقد شعرت به من دون ان يتحدث معي لأني اعرف ان ابنته الصغيرة ذات السنة من العمر مريضة وعندها مايسمى بسنان الأطفال (الرداف) وعندها حمه وإسهال وهو يحتاج حق الفحوصات والعلاج والحفاظات والمواصلات فابفضل من الله ومنه وكرمه علينا توفرت للإبن المبلغ الذي يساعده على علاج ابنته الطفلة ذات السنة من العمر مما ادخره لمثل هذه الحالات لدرجة انه بكى وهو مش مصدق ان المبلغ توفر له وقال لي وهو يتحشرج ويجهش بالبكاء لولا فضل الله ونعمته علينا ثم وجودك ياوالدي لا كان مصير ابنتي مجهول ، إلى هنا انتهث الصورة الثانية.

بعد هذا الموقف جلست مشغول ومهموم وافكر بحالنا هذا وانا بجانب المنزل على متكئ عملته بجانب المنزل واذا بي اسمع حوار بين شخص واخر يطلب منه سلفه لأنه محتاج لشراء بعض المواد الغذائية البسيطة حتى يفرج الله همه وايضاً الدبة الغاز استهلكت ونفذ منها الغاز وهو وعياله واحفاده بلا عشاء هذه هي الصورة الثالثة من المأسي والالام والاوجاع التي نعيشها في بيوتنا كمواطنين من ابناء عدن ارهقتهم التجاذبات والصراع السياسية ووحشيت اوناس كنا نحسبهم مثلنا من البشر تغولوا وعاثوا بالأرض الفساد وتحولوا إلى ذئاب وحيوانات مفترسة ووحوش ضارية تأكل الأخضر واليابس تعيش هي التخمة والرفاهية ورغد العيش ويموت الأخرين من ابناء هذه المدينة التي تحولت إلى مدينة اشباح بعد ان كانت أم الدنيا وزهرة المدائن وقبلة العالم٠

#المريسي.