رحيل الشاعر الصادق… عميد شعر الدحيف إيهاب باضاوي "أبو آية"
قُلْ لِلْحَيَاةِ إِنِ إِسْتَطَعَتَ وَدَاعًا
نِصْفُ الشَجَاعَةِ أَنْ تَمُوتَ شُجَاعًا
عِشْ مِثْلَمَا وَلَدَتْكَ أمُّكَ بَاسِلًا
إِنَّ الحَرَّائِرَ ﻻَ يَلِدْنَ ضِبَاعَا
في لحظة موجعة، غادرنا الشاعر الصادق، عميد شعر الدحيف، إيهاب باضاوي "أبو آية". غادر الجسد، لكن بقيت كلماته شاهدة على حياة مملوءة بالشعر والصدق والانتماء. لم يكن مجرد شاعر، بل كان روح الدحيف، ولسانها، وصوتها حين يصمت الجميع.
إيهاب باضاوي لم يكتب ليمدح أو ليُصفّق له الناس، بل كتب لأنه يؤمن بأن الكلمة الصادقة قادرة على التغيير، وأن القصيدة تستطيع أن تحتضن الوجع وتحوّله إلى أمل. كان شاعرًا يحمل همّ الناس، ويحترف التعبير عن مشاعرهم بلغة قريبة، دافئة، لا تصطنع ولا تتجمّل.
أحبته القلوب قبل أن تحفظه العقول، وصار اسمه جزءًا من ذاكرة المكان والناس. كان أبو آية مدرسة في الشعر الشعبي، خاصة في لون الدحيف الذي أجاد رسم ملامحه بروحه وأسلوبه المتفرّد، حتى صار يُذكَر فيه كما يُذكر البحر مع الموج، أو الوطن مع الحنين.
رحيله فجّر في القلوب فراغًا لا يُملأ، وترك في القصيدة شطرًا
ناقصا لم يكتمل إلا حين نلتقيه في عالمٍ آخر، ربما نكتب فيه معًا، بلا فراق.
أبو آية والوطنية الصادقة: حين يصير الشعر انتماءً لا ادّعاء
لم يكن إيهاب باضاوي "أبو آية" مجرد شاعر يُجيد نظم الكلمات، بل كان ابن وطن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وطنه لم يكن حدودًا مرسومة على خريطة، بل كان وجوه الناس، وصوت الأرض، ودمع المظلوم، وأمل البسطاء. حمل قضاياه على كتفه كما يحمل الشاعر قيثارته، يغني للحق، ويكتب للعدالة، ويثور بالكلمة لا بالسلاح.
في زمن تكاثرت فيه الأصوات المزيّفة، ظل أبو آية صوتًا حقيقيًا، صادقًا، يشبه طين الأرض التي منها خرج، ويشبه هموم الناس التي آمن بها حتى آخر يوم. لم يكن يبحث عن مدح أو شهرة، بل عن أثر. وكان أثره واضحًا في كل قصيدة وطنية كتبها، وفي كل موقف وقفه مع قضايا شعبه وأمته.
الوطنية عند أبو آية لم تكن شعارًا، بل كانت سلوكًا يوميًا. تراه في بساطته، في قربه من الناس، في دفاعه عن المظلومين، وفي انحيازه الدائم للحق حتى لو كان مُرًّا. كتب عن الأرض التي لا تُباع، عن الكرامة التي لا تُساوم، عن الوطن الذي يسكنك قبل أن تسكنه.
وها هو اليوم يرحل وقد خذله الوطن الذي ترجم معاناته وهمومه، لم تقدم له قيادة هذا الوطن شيئا يذكر صارع المرض وحيدا وتحمل المعاناة في غياب وصمت تام من كل الجهات ،رحل شريفا عفيفا، لكن الوطنية الصادقة التي زرعها في كلماته باقية، تُورث كما يُورث المجد، وتُردد كما تُردد الأناشيد الخالدة. سيبقى أبو آية في الذاكرة شاعرًا بحجم الوطن، وصوتًا بحجم الحقيقة، وقلبًا بحجم المحبة.
سلام عليك يا أبا آية…
سلام على شعرك، وعلى وفائك للكلمة، وعلى قلبك الذي كان لا يكتب إلا بالحب والصدق.
وداعاً أبا آية إلى جنة الخلد إن شاء الله ، أحبك الناس في الدنيا ونسأل الله لك المغفرة والرحمة في الآخرة