مأساة جريح في زوايا الإهمال

عزيزي الجريح، دعنا نبدأ بتقديم تهانينا الحارة لك! 

فقد أصبحت الآن جزءًا من حكاية عظيمة للوطن. لكن، انتبه، ليس بصفتك بطلًا حقيقيًا تُخلد ذكراه، بل كجزء من قائمة الانتظار الطويلة للحصول على فتات الرعاية الصحية.

بينما تجلس في زاوية مستشفى أشبه بمستودع مهجور، مشغولاً بمحاولة التنفس وسط روائح الإهمال، ينهمك قادتنا الأعزاء في قص الشرائط الحمراء وإلقاء الخطابات الملحمية. 

كيف لا؟ 
فهم بحاجة إلى إثبات وفائهم للوطن عبر حضور الاحتفالات الضخمة التي تُدار بإتقان شديد، لأن الوطن يحتاج إلى "إظهار" وجهه البهيج للعالم، لا إلى أبطاله المتعبين والمكسورين.

الاحتفال.. كرامة مفقودة:
يا لك من محظوظ، لو كنت تستطيع فقط الزحف إلى أحد الاحتفالات الوطنية، ربما تحصل على "كأس شاي" مجاني أو حتى وردة بلاستيكية كتقدير لمجهودك. 
لكن، لا تقلق، فقد تُستخدم دماؤك في لوحة فنية معبرة تُزين قاعات المؤتمرات...لأن القادة يريدون رمزًا للتضحية، لا إنسانًا يطالب بحقه في الحياة.

"جرحك" خارج قائمة الأولويات:
هل طلبت يومًا مساعدة لعلاجك؟ 
دعني أخبرك بما يحدث: مسؤول يبتسم لك ويقول: "سنعمل على مساعدتك قريبًا". 

وهذا "القريب" يشبه موعد ظهور الكائنات الفضائية، نسمع عنه كثيرًا لكنه لا يأتي أبدًا..وفيما تنتظر علاجًا يليق بك، تصلك أخبار عن بناء قاعات أفراح جديدة أو توسعة منتجعات سياحية، لأن رفاهية القادة أولى من علاجك.

مستشفى أم مغامرة؟
إذا قررت زيارة المستشفى، فاستعد لمغامرة شيقة..ستبدأ برحلة البحث عن الطبيب المختفي، مرورًا بالمعدات المتهالكة، وصولًا إلى الدواء المفقود.. وربما لو كنت محظوظًا بما يكفي، ستكتشف أن الدواء المناسب لك قد تم تصديره ليملأ رفوف صيدليات دول أخرى أكثر "تقديرًا" لأبطالك من وطنك نفسه.

التلفاز لا يهتم بالوجوه الحقيقية:
ببساطة، مشكلتك أنك جريح عادي، بلا علاقات أو روابط مع الشخصيات المهمة. 
لو كنت ابن مسؤول، لكانت طائرة خاصة قد أقلّتك إلى أحد المستشفيات الراقية في الخارج، ولربما تمت دعوتك إلى مقابلة تلفزيونية لتروي قصتك. 
لكن أنت؟ 
بالكاد تصل صورتك إلى أرشيف النسيان.

الخاتمة: كفى استهزاءً ياقيادتنا...
في النهاية، نقولها بصراحة مريرة: أيها الجريح، لا تطلب أكثر مما هو مقدر لك، وهو لا شيء! 
الوطن يحتفل بك من بعيد، ولكنك لن ترى الاحتفال. لأنك لست جزءًا من الصورة الإعلامية اللامعة، بل أنت جرح مفتوح في ذاكرة لا يريد أحد أن يتذكرها.

فلتحتفل يا وطني بمزيد من الأبطال المنسيين، لأنهم -بكل ألم- الوقود الذي يحرك عجلة التجاهل!

ناشط حقوقي، وجريح،