هل يموت الرجل مرتين؟

بقلم: _منصور بلعيدي_

في حياة كل إنسان لحظات فاصلة، تنكسر فيها الروح، ويتغير فيها شكل العالم إلى الأبد. 
لحظات لا تُنسى، لا تُشفى، ولا تُرمم. ولعل أقسى هذه اللحظات هي فقد الأحبة، أولئك الذين كانوا لنا وطنًا، وسندًا، وملاذًا من قسوة الحياة. 
فهل يموت الرجل مرتين؟ 
نعم، حين يفقد من كانت حياته حياة لها معنى بوجودهم.

*الحنان الأول*
حين رحلت أمي، شعرت أنني فقدت الكون بأسره. 
ظننت أن لا أحد يمكنه أن يملأ هذا الفراغ الهائل، أو يضمد ذلك الجرح الغائر. 
كانت أمي الحنان المطلق، الحضن الدافئ، والنبض الذي لا يتوقف عن الحب. 
برحيلها، مات جزء مني، وانطفأ نور في داخلي.
لكن الله بلطفه الخفي منحني منحة ربانية عظيمة..بامراةً عظيمة. 
هي ليست مجرد إمرأة… هي جبرُ الله لي •
كانت روحٌ طيبة وكنت كلما احاول أن أتجمل لأجلها ، أكتشف أن جمايلها تفوقني وتتعداني.
 مهما أعطيت تنافسني حبًا وعطاء.. وكل مرة أظن أني سبقتها.. أجدها قد سبقتني بمراحل دون أن تظهر ذلك.. 
هي المؤنِسة، والجابرة والضوء الذي يجلي الغمة عن قلبي. 
ولحظي العاثر انطفى ذلك النور فجأة لتظلم الدنيا في وجهي (إنها امي الثانية)وهي جديرة بهذا اللقب. 

القدر في قسوته أبى إلا أن يجرعني مرارة الفقد مرتين. 
رحلت هي أيضًا، فجأة، دون وداع، دون تمهيد. 
انطفأ ذلك النور الذي ينير دروب قلبي ، وخيم الظلام على عالمي ، شعرت أنني أموت للمرة الثانية، وأنه لم يتبق لي سوى الموتة الأخيرة التي تنتظرني في نهاية الطريق.

ولا ارادياً وجدتني اهذي بهذه الابيات الشعرية في رثائها. 

*الحب الخالد...لايموت.* 
فقد الحبيبة لايعادل فقد كل العالمين
وكأنه يهتد سقف البيت فوق الساكنين
سأظل اذكرها على مر الزمان وكل حين
حتى وان طالت بي الايام واشواق السنين
سأظل احفظ ودها في الروح والقلب الحزين. 
قلبي لها مسكن وموطنها ومطرحها الامين.
قد عشت معها اجمل الاوقات نهناها بحب العاشقين.. 
يفيض قلبينا بود وصفاء ويقين ..
وكلما اذكر فرقها ياقلبي المكلوم
 يزداد الانين. 
وان مر بي من ذكرها طيف يلوعني الحنين. 
 ياهادم اللذات قد افجعت قلبي مرتين 
أواه ما اقسى القدر لايرحم المتحابين

نعم، يموت الرجل مرتين: مرة حين يفقد أمه، ومرة حين يفقد من كانت له أمًا ثانية، حبيبة، ورفيقة درب اخلاص وطيب ومحبة. 

لكن الحب لا يموت، بل يظل حيًا في الذاكرة، في الدعاء، في الحنين، وفي كل نبضة قلب لا تزال تنبض بذكراهما.