العمل النقابي وتسييسه

طالعتنا بعض المواقع الإخبارية عن أنباء  تتحدث فحواها دعوة النقابة الجنوبية إلى مظاهرات "مليونية"، وكان أهم تلك العناوين ماجاء في أحداها وبالمنشيت العريض ( تصعيد نقابي جنوبي تدعو إليه نقابة الجنوبيين لإسقاط مجلس القيادة والحكومة)!!، وحوى الخبر تصريح لنائب رئيس النقابة يدعو فيه إلى حشد جماهيري كبير "مليوني" حتى إسقاط المجلس الرئاسي وحكومته وسرعة مغادرتهم البلاد، والدعوة إلى منع عودتهم إلى عدن مجدداً وأن كل تعثر لقضايا المعلم من تسويات ورفعا في الأجور والهيكلة مرهون بدخول القوات الحكومية صنعاء وتحريرها والعمل على أنهاء الانقلاب الخوثي وكلام "سياسي" كثير من هذا السياق.

من المعلوم أن القطاع التربوي قطاع حكومي ولكنه قطاع مدني بحت ولايمت للعمل السياسي والعسكري بأي صلة ولاتربطه أدنى علاقة به، وأن ماقاله الأخ نائب النقابة كلام حق يراد به باطل كيف يعني؟!، من المفاهيم الأساسية في تعريف عمل نقابة المعلمين والمعلمات في دول العالم كلها يقول أن هدفها فقط الدفاع عن حقوق العمال وتحسين شروط عملهم مع العمل على التفاوض لرفع الأجور، وتقديم الدعم لهم، لكن الملاحظ أن الموضوع اختلط الحابل فيه بالنابل وبات العمل السياسي سيد الموقف.

حتى لا تختلط علينا الأوراق يجب تنزيه العمل النقابي "التربوي" عن العمل السياسي الصرف، مع توحيد الرؤى فيه والعمل على تحقيق المطالب، مع تركيز النقابة على ماهو مناط منها لا أن تدخل نفسها بشيء لاطائل للمعلم فيه،  والعمل في رفع مظلومية المعلم وجعلها ذات أولوية والتركيز عليها لا أن تحشرها في زاوية منفرجة قد تضيع فيها الحقوق والمطالب والأمنيات معا، ويضيع ماقد تحقق من قبل كـ "ضياع صاع الملك في رحل أخو يوسف".

عدد معلمي ومعلمات المحافظات المحررة الشرقية والغربية والقبلية والبحرية لا يتجاوز عدّة ألوف فمن أين ستأتي النقابة بمليون محتشد وغاضب يتم استأجارهم لنصرة القضية التربوية وباسم المعلم؟! وباسم مظلوميته!، يقال بأن الأم الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة. والاكتفاء بالجلوس مع صانعي القرار بشكل ودي وصريح يؤدي القرض.

نعم صحيح المعلم يتعرض لشتى صنوف الظلم والقهر والذل وقساوة الحاضر والمستقبل الغامض الذي رسمه ويرسمه له التحالف ولا خلاف في ذلك ومن يخالف هذا الكلام الا رجل قد أعلن عداءه لصناع العلم وحاملين لواءه ونصب نفسه عدوا مبارزا في ساحة المعركة، لكن أن يتم تسييس القضية التربوية والتعليمية وجعلها شماعة لتحقيق مآرب في نفس يعقوب فهذا للأمانة يثير الجدل حتى وإن لم تكن معلنة فهي بارزة لكل لبيب.

أعيد واكرر أن مظلومية المعلم بلغ مداها الأفق ولن يزايد أحد بذلك ولكن حبا في جعلها القضية الأبرز ومتسيدة الساحة الحكومية لا يجوز شرعا ولا عرفا في جعلها سلم للصعود لمبتغى مغاير لما وجدت له، أتذكر مطلب ( الحوثي في 2014م طالب بإسقاط الجرعة وما أن تمكن من السلطة ووصل إلى كرسي الحكم أسقط اليمن وشعب اليمن غياهب الظلام، وكان هدفه سياسي صرف لا حبا في هذا الشعب التائه)، فلكي لاتضيع الحقوق المشروعة والمكفولة اجعلوا قضية المعلم منزهه خالية من الشوائب الشطرية والحزبية الضيقة، "ودعوها فإنها مأمورة" واحرصوا في جعلها بيضاء اللون ناصعة البياض لم تمسها الأيدي حتى تلقى آذان صاغية وعندها يتحقق الطلب جملة واحدة.

للتنبيه لا نعفي المجلس الرئاسي ومن قبله التحالف العربي وحكومة المناصفة على اهمالهم المتعمد بنية أو بسوءها، والتركيز والعمل والاستماع للمطالب التربوية وجها لوجه، وتحقيق العدالة للمعلمين وإنصافهم ومساعدتهم فيما يتعرضون له، ومساعدتهم على  تخطي الإقصاء والجحود ونكران الجميل، ولكن كل ذلك يتم بطرقا معروفة قد كفلها الدستور، يكون اغلضها الإضراب لا الاحتشاد وتعطيل منافع الناس ثم التدرج عبر المستويات المتاحة الأخرى.