النهاية ليست عدوا.

بقلم:  موسى المليكي.

البشر بطبعهم أسرى لأنانيتهم اللاشعورية، فهم يقدسون البدايات ببهائها، ويتذمرون من النهايات وكأنها لعنة لا مهرب منها.. لكن لو تأملت قليلا، لوجدت أن الأمر أكثر بساطة وعمقا مما يبدو.

لكل شيء في هذا الكون وجهان متكاملان؛ الحياة والموت، الجنة والنار، النهار والليل.. إنها ثنائية أزلية تمنح الوجود اتزانه وسحره..
تأمل الحياة دون نهاية، كيف كانت ستبدو؟ ماذا لو أفلت الطغاة والجبابرة من عقاب الزمن، دون أن تطالهم يد الموت! ألن يكون وجودهم عبئا على الكون، وسيفا ابديا مسلطا على رقاب الأبرياء؟ إن النهايات، كما هي البدايات، جزء من عدالة هذا العالم وجماله..

النهاية ليست عدوا، بل هي فصل طبيعي من حكاية الحياة.. هي النقطة التي تتيح لبداية أخرى أن تزهر.. تخيل لو أن الطفل ظل طفلا، والمراهق أسير شبابه العاصف، والشاب حبيس قوته، والشيخ رهين ضعفه الأبدي.. ألن تصبح الحياة كلوحة جامدة، بلا نبض ولا تجدد! ألن يفقد الليل جاذبيته لو لم يعقبه فجر؟ ألن يتحول الحاكم الأبدي إلى طاغية لا يطاق؟
النهايات، لها سحرها الخفي وجمالها العميق.. هي ما يمنح للحياة معنى، وما يضيف للذكريات وهجها.

 لا تحمل على كاهلك عبء البدايات الماضية، ولا تلتفت إليها إلا بقدر ما يلهمك جمالها.. حين تأتي النهاية، احتضنها كصديق قديم، واتركها تفتح لك أبوابا لبدايات جديدة..
حتى أن كلمة إنسان مشتقة من النسيان، وهذا في جوهره نعمة.. النسيان هو ما يحررنا من قيود البدايات الماضية، ويمنحنا القوة لنبدأ من جديد.. النهاية ليست خصما، بل هي معلم يعيد ترتيب أولوياتنا، ويدفعنا نحو آفاق أخرى أكثر إشراقا وجمالا.. نحو بدايات أجمل..