عندما يتكلم الحمقى، فعلى العقلاء أن يتجاهلوا
في عالم يضج بالكلمات، وتتصادم فيه الآراء، نجد أن بعض الأصوات تعلو دون وعي، وبعض العقول تتكلم دون إدراك، وكما قيل قديمًا: "لكل داء دواء يستطب به... إلا الحماقة أعيت من يداويها"، فحين يتحدث الحمقى، لا يكون هدفهم البحث عن الحقيقة أو الوصول إلى الحكمة، بل إثارة الجدل، وإشاعة الفوضى، وربما جرّ الحكماء إلى دائرة العبث، وهنا يتجلى دور العقلاء، الذين يدركون أن أفضل رد على السفه أحيانًا هو الصمت والتجاهل.
التجاهل ليس ضعفًا، بل هو حكمة تُمارَس حين يكون الجدال بلا فائدة، فالحمقى لا يبحثون عن الحقيقة، بل يسعون إلى إثارة الضجيج، وحين ينجرّ العقلاء إلى مجادلتهم، فإنهم يضيعون وقتهم وجهدهم في معركة لا رابح فيها، لذلك قال الشاعر:
"إذا نطق السفيه فلا تجبه... فخير من إجابته السكوت."
التجاهل هنا ليس استسلامًا، بل استراتيجية تهدف إلى تجنب هدر الطاقة فيما لا طائل منه، لأن الرد على الحمقى يمنحهم أهمية لا يستحقونها، ويجعل حديثهم يبدو وكأنه جدير بالنقاش، بينما هو في حقيقته مجرد ضجيج فارغ.
وليس كل حديث يجب أن يُترك دون رد، فهناك حالات يكون فيها الرد ضروريًا، خاصة إذا كان السكوت قد يُفسَّر على أنه ضعف أو إقرار بالباطل، ولكن الفرق واضح بين الحوار الهادف والنقاش العقيم، فإذا كان النقاش يقوم على أسس منطقية وأخلاقية، فهو يستحق الاهتمام، أما إذا كان مجرد صراخ أو محاولة لاستفزاز العقلاء، فحينها يكون الصمت أبلغ من الكلام.
الحكمة تكمن في معرفة متى يكون الحديث مفيدًا، ومتى يكون التجاهل هو الخيار الأفضل. فالشخص العاقل لا يستهلك طاقته في معارك جانبية لا تقدم ولا تؤخر، بل يركز على ما يستحق الانتباه، ولذلك نجد أن العظماء عبر التاريخ لم يكونوا يردّون على كل استفزاز أو نقد غير عقلاني، بل كانوا يترفعون عن المهاترات ويتركون الرد لأفعالهم وإنجازاتهم.
وأخيراً:
عندما يتكلم الحمقى، فإن أفضل ما يمكن أن يفعله العقلاء هو أن يمضوا في طريقهم، متمسكين بالحكمة والصبر، فالحياة قصيرة، ولا تستحق أن تُهدر في سجالات لا جدوى منها، وكما قيل: "العاقل لا يرد على السفيه، لأنه لا يريد أن يصبح مثله."
واليوم مع تطور البشرية في عالم التكنولوجيا المتطورة، وقد أصبح الفضاء الالكتروني ساحة لكل من هب ودب، لكي يُفَّس عما في نفسه، وذلك مع ضغوط الحياة وأعباءها أصبح هذا الفضاء الالكتروني مساحة متاحة لكثير من الحقمى، إذ صدر لنا مثل هذه الغابات مع الأسف الشديد.
ودمتم سالمين