ملفات أستاذ جامعي في مهب الريح

مررت بجانب أحد الهناجر، ورأيت زميلًا لي في الجامعة يعمل حارسًا على هنجر، فتوقفت لأسلم عليه، فترددت في النزول حتى لا أقطع عليه وقته، فقد رأيته منهمكًا في تصحيح ملفات الامتحان، ولكن بسبب الريح سقط عليه أحد الملفات وأخذته الريح، ووضع الملفات الأخريات، وذهب لمطاردة ذلك الملف المشاغب، فتطايرت بقية الملفات. 

  بعد رؤيتي للمعركة التي يخوضها زميلي ترجلت من على السيارة، وأسرعت نحوه للفلفة الملفات المتطايرة، فلفلفناها، إلا أن أحد الملفات طار ودخل تحت إحدى السيارات المعطلة وفي مكان يصعب الوصول إليه، فحاول صديقي أن ينبطح ليسحب ذلك الملف، فمنعته، وقلت له: ما يصلح أن تنبطح وأنت أستاذ في الجامعة، فقال: ابعد ابعد قدنا منبطحين من زمان، وأيش من انبطاح بعد انبطاحنا نحن في الجامعات؟ وبعد أن انبطح زميلي ليسحب الملف انبطحت بجواره من باب المواساة، فمر أحدهم، وقال: أيش في؟ لماذا أنتم منبطحون، قلت له: نحن أساتذة جامعة وهذا حالنا، فلم يسمع كلامي، وكرر: أيش في؟ قلت له سقطت علينا أوراق ونحاول نسحبها، قال: الله يعينكم، وبعد لفلفة الملفات التفت زميلي نحوي وهو يضحك بحسرة وألم، وهو يقول: يا ابن الصوفي لا تعمل من ملفاتي وانبطاحي قصة، وأردف قائلًا: والله تعبنا من هذا الوضع فالراتب لا يفي بمتطلبات الحياة، وقال: تصدق أنني أباشر بعد عودتي من عملي في الجامعة، ولا أرى أسرتي إلا في المناسبات، فأكثر وقتي أما في الجامعة أو على بوابة الهنجر. 

  بعد أن أكمل حديثه قلت له: ستفرج إن شاء الله، ولن يطول هذا الوضع، فلابد من الاهتمام بالجانب التعليمي وإلا ستسقط البلاد كلها بحكامها ومحكوميها، لأن إهمال التعليم يعني بروز العصابات والتخلف والجهل وكل المظاهر السلبية، وقلت له مواسيًا: وستمر بجانب هذا الهنجر في يوم من الأيام وأنت تقود سيارة آخر موديل، وستخبر أولادك والأحفاد بهذه المرحلة التي أهين فيها أساتذة الجامعة، وستذكر لهم قصة الانبطاح، فقال: نشتي نعيش بكرامة فقط، وقلت له: سأكتب عن ملفاتك هذه التي لفلفناها لعلها تلفت نظر الملفلفين في السلطة، فقال: اكتب ولا تبال، فكتبت لكم، لعل المنبطحين-وكلنا منبطحون- يقفون ويقولون بصوت واحد: كفانا انبطاحًا.