غباء النخبة السياسية الحاكمة حين تصبح السلطة عبئاً على الدولة
في مراحل التحولات الكبرى، تلعب القيادة السياسية الدور الحاسم في تحديد مصير الدول، فإما أن تقودها نحو الاستقرار والتنمية، أو تدفعها نحو الهاوية والإنهيار، غير أن أخطر ما قد تواجهه أي دولة ليس الفساد وحده، بل غباء الطبقة السياسية الحاكمة، حين تصبح عاجزة عن قراءة الواقع، وأسيرة لمصالحها الضيقة، وغير مدركة للتغيرات التي تهدد بنيان الدولة نفسه.
فالغباء السياسي لا ينشأ من فراغ، بل هو نتاج تراكم طويل من سوء الإدارة، ورفض الاستماع إلى الحقائق، والتعامل مع الأزمات بأساليب تعكس غياب أي وعي استراتيجي، وحين تصبح السلطة غاية لا وسيلة، تتحول الدولة إلى رهينة قرارات ارتجالية، تفتقر إلى الرؤية، وتدار بردود الفعل بدل التخطيط.
والمفارقة هنأ، أن من يديرون المشهد يعتقدون أنهم قادرون على التحكم في كل شيء، غير مدركين أن أخطاءهم لا تؤدي فقط إلى إضعاف الدولة، بل إلى تقويض أسس وجودهم السياسي ذاته، فالتاريخ مليء بالأنظمة التي استهانت بتحذيرات الواقع، فوجدت نفسها في الأخير، في مواجهة غضب لا يمكن احتواؤه، لأن الشعوب قد تتحمل الجوع والفقر، لكنها لا تتحمل الشعور بالإهانة والاحتقار.
وفي هذا السياق، يمكننا القول، إن السياسي الغبي لا يدرك أن قراراته اليوم هي بذور الكوارث غداً، حين يحكم بلد ما بعقلية الغباء، وإن كل أزمة ترحل إلى المستقبل، وكل خطأ يصبح أكثر تعقيداً، إلى أن تصل الدولة إلى نقطة اللاعودة، والأسوأ من ذلك، أن الطبقة الحاكمة تظل مقتنعة بأن المشكلة ليست في سياساتها، بل في الشعب الذي لا يقدر "جهودها"، أو في مؤامرات خارجية تختلقها لتبرير فشلها.
في النهاية، أن أي سلطة تفقد شرعيتها، هي حين تفقد احترام الناس لها، وحين تصبح عبئاً بدل أن تكون حلاً، وبالتالي فإن سقوطها يصبح مسألة وقت، حتى وإن تأخر، فالغباء السياسي ليس مجرد خطأ، بل هو عملية تدمير ذاتي، قد لا يدركها أصحابها إلا حين يفوت الأوان.