القات والدوبامين ورمضان
تحتوي نبتة القات على مواد منشطة، أبرزها الكاثينون، التي تحفز إفراز الدوبامين في الدماغ. والدوبامين ناقل عصبي حيوي، يلعب دورا محوريا في وظائف الدماغ المتعددة، كالمزاج والذاكرة والتعلم والانتباه والحركة. ومع ذلك؛ فإن تعاطي القات، رغم ما قد يجلبه من شعور مؤقت بالنشوة، يحمل في طياته مخاطر جمة على الفرد والمجتمع. ومع قدوم شهر رمضان المبارك، تلوح فرصة ذهبية للتغيير والإقلاع عن هذه العادة الضارة وغيرها.
يحتوي القات على مادة الكاثينون، وهي مادة منشطة تشبه في تأثيرها الأمفيتامينات. فتعمل على تحفيز إفراز الدوبامين في الدماغ، مما يؤدي إلى الشعور بالنشوة واليقظة والطاقة.
يرتبط إفراز الدوبامين بنظام المكافأة في الدماغ، وهو نظام مسؤول عن تعزيز السلوكيات التي تؤدي إلى المتعة. وتعاطي القات يؤدي إلى تنشيط هذا النظام، مما يجعل الشخص يشعر بالرغبة في تعاطي المزيد للحصول على نفس التأثير، وهذا ما يفسر الإدمان على القات.
يعد القات من المواد التي تسبب الإدمان، حيث يعتمد عليه الشخص نفسيا وجسديا، ويصعب عليه التوقف عن تعاطيه. وعند التوقف عن تعاطي القات، تظهر أعراض الانسحاب، كالاكتئاب والقلق والأرق والصداع، مما يزيد من صعوبة الإقلاع عنه. فضلا عن ذلك يؤدي تعاطي القات إلى ارتفاع ضغط الدم وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب، كالنوبات القلبية والسكتات الدماغية. ويسبب اضطرابات في الجهاز الهضمي، كالإمساك والإسهال وقرحة المعدة. ويزيد القات من خطر الإصابة بمشاكل نفسية، كالاكتئاب والقلق والفصام. ويؤدي إلى تلف الأسنان ومشاكل اللثة وضعف القدرة الجنسية.
كما يؤدي تعاطيه إلى مشاكل أسرية، وإلى الخلافات والعنف المنزلي والإهمال. وعلى عكس ما يساع؛ يمكن أن يسبب تعاطي القات بالعزلة الاجتماعية وابتعاد المرء عن أسرته وأصدقائه. ويؤثر على العلاقات الاجتماعية، فيصير غير موثوق به وغير مسؤول. ويتسبب في إهدار المال والوقت، ويؤثر على الإنتاجية في العمل، حيث يقلل من التركيز والانتباه والقدرة على إنجاز المهام.
وإذا تجردنا عن أهوائنا ونظرنا بعين الشرع والحكمة والبحث العلمي المحايد؛ فإن القات يعد حراما، بسبب أضراره. وأضراره متعددة؛ صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية؛ بل وسياسية؛ بسبب تأثيره على العقل والجسم، وتضييعه للوقت والمال.
وتعد قاعدة "لا ضرر ولا ضرار" من القواعد الفقهية الكبرى في الشريعة الإسلامية، وتعاطيه يندرج ضمن دائرة الضرر الذي نهت عنه الشريعة.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية لحفظ الضروريات الخمس (الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال). وتعاطي القات يؤدي إلى تضييع جميع هذه الضروريات أو إضعافها.
وشهر رمضان المبارك شهر التوبة والغفران، شهر تتضاعف فيه الحسنات وتُكفر فيه السيئات. إنه شهر عظيم يمنح المسلم فرصة عظيمة للتغيير نحو الأفضل، والتخلص من العادات السيئة، وعلى رأسها تعاطي القات؛ فخلال ساعات الصيام، يمتنع المسلم عن تناول الطعام والشراب، وهذا يشمل أيضا القات. فهي فرصة رائعة للتخلص من عادة تعاطي القات بشكل تدريجي.
ورمضان شهر الدعاء، فلنستعن بالله تعالى وندعوه بصدق وإخلاص أن يعيننا على الإقلاع عن هذه العادة السيئة.
ولنستغل هذا الشهر الفضيل في الاستغفار والتوبة عن كل ما فعلناه من سوء، ولنعاهد الله تعالى على عدم العودة إلى تعاطي القات بعد رمضان.
ولنكثر من قراءة القرآن الكريم والذكر والدعاء في هذا الشهر المبارك، فهذه الأعمال تقربنا إلى الله تعالى وتعيننا على التغلب على شهواتنا وعاداتنت السيئة.
ولنحرص على مجالسة الصالحين والابتعاد عن جلسات القات، فالصحبة الصالحة تعيننا على فعل الخير وتجنب الشر.
إن لتعاطي له آثار سلبية كبيرة على صحة الفرد والمجتمع، ويتعارض مع مقاصد الشريعة الإسلامية. لذلك هو محرم عملا بقاعدة "لا ضرر ولا ضرار" وحفاظا على الضروريات الخمس.
وتعاطي القات ليس حلا لمشاكلنا؛ بل يزيدها تعقيدا. وصحتنا وسلامتنا وسعادة أسرنا أهم من أي شعور مؤقت بالنشوة. فلنقلع عن تعاطيه، ونستثمر وقتنا ومالنا في ما ينفعنا وينفع مجتمعنا.
ولنكثف جهودنا للتوعية بأضرار القات، وتقديم الدعم للمدمنين لمساعدتهم على الإقلاع عنه. ولنعمل على إيجاد بدائل اقتصادية لزراعته، وتوفير فرص عمل للشباب.
نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى ما فيه الخير لنا في ديننا ودنيانا، وأن يعيننا على اجتناب كل ما يضر، إنه سميع مجيب!
ودمتم سالمين!