حين يُعلن رئيس الوزراء سقوط الدولة بلسانه بقلم: أ. صلاح البندق
في مشهد غير مسبوق، وقف رئيس الوزراء اليمني الدكتور سالم بن بريك من قصر معاشيق في العاصمة المؤقتة عدن، ليطلق تصريحاً صادماً ومباشراً قال فيه:
"مافيش خدمات، مافيش رواتب، مافيش أموال."
بهذه الكلمات المقتضبة، وضع رئيس الحكومة اليمنية حداً لكل محاولات التجميل السياسي، وأسدل الستار على ما تبقى من أوهام حول وجود مؤسسات فاعلة أو دولة قائمة تقوم بواجباتها.
اعتراف رسمي بالشلل
لم نعد بحاجة إلى تقارير دولية أو تحليلات اقتصادية معقدة، فها هو رأس السلطة التنفيذية يعلن وبكل وضوح أن مقومات الدولة قد انهارت، وأن الحكومة لم تعد تملك من أدوات الحكم سوى التصريحات.
هذا الاعتراف لم يكن مجرد زلة لسان أو انفعال عابر، بل جاء من أعلى سلطة تنفيذية في البلاد، وفي وقت حرج يعاني فيه المواطن من كل أشكال المعاناة اليومية: غياب الرواتب، تردي الخدمات، غلاء المعيشة، وانعدام الأمن الغذائي.
قائد السفينة يعلن غرقها
أن يقف رئيس الحكومة معلناً فشل مؤسسات الدولة، دون أن يُحرّك ساكناً أو يطلق نداء استغاثة، يضع علامات استفهام كبيرة حول دوره الحقيقي:
هل أصبح مجرد ناطق رسمي باسم الانهيار؟
أم أن هذا التصريح جاء في محاولة يائسة لتحويل المسؤولية إلى المواطن الذي يُكابد وحده الجوع وخيبات الأمل؟
نعم.. قال الحقيقة، ولكن!
لنكن منصفين، ربما قال الرجل الحقيقة كما هي. لكنه نسي أن مهمته ليست فقط توصيف الأزمة، بل العمل على حلها. فالقادة الحقيقيون لا يكتفون بالاعتراف بالعجز، بل يبادرون إلى إيجاد حلول، مهما كانت صعبة.
إذا أعلن المسؤول أنه لا يملك شيئاً ولا يستطيع فعل شيء، فلماذا يبقى في منصبه؟
يقول المثل الشعبي:
"إذا ما قدرت تطبخ، لا تذم القدر."
فمن لا يملك أدوات المعالجة، لا يحق له أن يلوم الشارع على الغضب، ولا المواطن على الصراخ.
الحكومة ليست مؤتمراً صحفياً
الدولة لا تُقاس بعدد الاجتماعات أو الصور الرسمية، بل بما يصل إلى المواطن من خدمات، كهرباء، رواتب، وماء نظيف.
وعندما تقول الحكومة إنها "لا تملك شيئاً"، فهي لا تعترف فقط بإفلاس اقتصادي، بل أيضاً بإفلاس أخلاقي وسياسي.
الشعوب لا تسقط.. حتى إن سقطت حكوماتها
قد تنهار الأنظمة وتُشلّ المؤسسات، لكن الشعوب لا تستقيل من أوطانها. ولهذا فإن الصمت على مثل هذه التصريحات يُعد خيانة لأمل الناس ومستقبل أطفالهم.
إننا نعيش لحظة فارقة:
إما أن تستعيد الدولة قدرتها على الفعل،
وإما أن يقول الشعب كلمته:
"مافيش سكوت بعد اليوم!"