كيف يكون المسلم صديقا للبيئة

منذ استخلاف الله الإنسان في الأرض؛ حمّله أمانةً عظيمة، وهي إعمارها وحمايتها. قال تعالى: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ (هود: 61)، أي طلب منكم إصلاحها والعيش فيها برفقٍ ومسؤولية. ولا يكون المسلمُ صديقا للبيئة إلا حين يدرك أن علاقته بها ليست علاقة استغلالٍ جائر؛ بل علاقة رحمةٍ وتوازنٍ تنبع من إيمانه العميق بأن كل شيءٍ في الكون يسير وفق نظام إلهي دقيق.

والإسلام يضع قواعد راسخة لحماية البيئة، مستندا إلى نصوصٍ صريحة تحثّ على العدل والاعتدال في التعامل مع الموارد الطبيعية. قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأعراف: 31)، وهذا نهيٌ عن الإسراف الذي يُعتبر سببا رئيسا في استنزاف البيئة وتلويثها.
وكان النبي ﷺ قدوةً في الرفق بالبيئة؛ كان ينهى عن قطع الأشجار بغير حق؛ حتى في الحرب، ويأمر بزراعة الأشجار، كما قال: "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فَلْيَفْعَلْ" (رواه أحمد). وهذا يرسّخ مبدأ الاستدامة البيئية حتى في أحلك الظروف.

وحتى يكون المسلم صديقا حقيقيا للبيئة، عليه أن يلتزم بجملة من الأخلاقيات والسلوكيات التي تحفظ التوازن البيئي، ومنها:
- الاقتصاد في استهلاك الموارد؛ فالماء -مثلا- لا يجوز هدره ولو كان الإنسان على نهرٍ جارٍ، كما جاء في الهدي النبوي.
- المحافظة على نظافة البيئة؛ فالإسلام يجعل النظافة جزءا من الإيمان، ويدعو إلى تجنب التلوث بكل أشكاله، سواء كان تلوث الهواء أو الماء أو التربة.
- إعادة التدوير وتقليل النفايات؛ فالمسلم مطالب بعدم التبذير وإعادة استخدام الموارد بطرق نافعة، مصداقا لقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ (الإسراء: 26).
- الرفق بالحيوانات والنباتات؛ فالحيوانات والطيور مخلوقاتٌ تسبّح الله، والإسلام يحثّ على رعايتها وعدم إيذائها، بل وحتى توفير الغذاء والماء لها.
- المشاركة في المبادرات البيئية؛ فدعم المشاريع البيئية، والمساهمة في حملات التشجير، والعمل التطوعي لحماية الطبيعة، كلها ممارسات تعكس الإيمان العميق برسالة الإسلام في الحفاظ على الأرض.

إن صداقة المسلم للبيئة لا تعني فقط تجنب الإضرار بها؛ بل تعني أن يكون عنصرا إيجابيا في نهضتها، وهذا يتطلب:
- نشر الوعي البيئي بين الناس، وتذكيرهم بأن الإفساد في الأرض من الكبائر.
- استغلال التكنولوجيا في خدمة البيئة، كاللجوء إلى الطاقة النظيفة والمواصلات المستدامة.
- تعليم الأجيال القادمة قيمة البيئة، وجعل التربية البيئية جزءا من مناهج التعليم.

إن المسلم الذي يعي رسالته في الحياة يدرك أن الحفاظ على البيئة ليس مجرد خيار؛ بل هو واجب ديني وأخلاقي. فكل شجرةٍ يزرعها، وكل قطرة ماءٍ يحفظها، وكل تلوثٍ يمنعه، هو عملٌ يُثاب عليه، ويترك أثرا طيبا للأجيال القادمة. فليكن كل مسلمٍ سفيرا للبيئة، مستجيبا لنداء الله: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾ (الأعراف: 56).
والله الموفق!
ودمتم سالمين!