شجرة "الغريب" لا يجب أن تظل غريبة!
في أعالي جبال تعز، تنحني الريح أمام شجرة فريدة، باسقة، متفردة، تسمى "شجرة الغريب". شجرة ليست كبقية الأشجار؛ بل كأنها طيف من الزمن، شاهد على حضارات، مواقف، وقلوب كانت يوما تنبض تحت ظلها؛ لكن اليوم هذه الشجرة العتيقة تصرخ بصمتها، وتئن بجذورها، مهددة بالموت والانقراض، في وطن لا يزال يقاوم، مثلها تماما.
هي ليست مجرد شجرة. إنها "Adansonia digitata"، المعروفة عالميًا بـ"الباوباب"، ويعرفها اليمنيون باسم "الغريب". والعجب أن العالم كله عرفها، زرعها، استثمر فيها؛ إلا نحن. فهل كتب على شجرة الغريب أن تظل غريبة في موطنها بتعز؟!
هذه الشجرة العجيبة، المخزنة للماء في جذعها، تُعد من أقدم الكائنات الحية النباتية على وجه الأرض. ويكفي أن نعلم أن:
- ثمارها تحتوي على أكثر من 6 أضعاف فيتامين C مقارنة بالبرتقال.
- غنية بالكالسيوم، البوتاسيوم، الحديد، المغنيسيوم، والألياف.
- تُستخدم أوراقها في الطب التقليدي لعلاج الالتهابات، الحمى، وأمراض الجهاز الهضمي.
- تُحوّل بذورها إلى زيت مغذٍّ للبشرة يُستخدم عالميا في صناعات التجميل.
- لبّ ثمارها يُستخدم في صناعة المكملات الغذائية.
وقد قامت دول إفريقية مثل السنغال وتنزانيا ومالي بتحويل هذه الشجرة إلى مصدر دخل قومي، وتُصدّر منتجاتها إلى أوروبا وأمريكا كمنتج عضوي مميز!
ولنا أن نتساءل بأسى: لماذا لا نكثّر هذه الشجرة؟ لماذا لا نزرعها في السهول والجبال؟ لماذا لا نحولها إلى رمز بيئي واقتصادي وصحي؟ الإجابة لا أظنها في الموارد؛ بل في الإرادة والإدراك!
ويعد مناخ اليمن الطبيعي ملائما لنموها في مناطق متعددة. وهناك احتياج في السوق المحلي والعالمي لمنتجاتها العضوية. إلى جانب وجود جذور شعبية ومحبة فطرية لهذه الشجرة.
ولا يقف أمامنا إلّا غياب الوعي المجتمعي والعلمي بأهميتها. وإهمال الجهات المعنية للتراث البيئي الزراعي. إلى جانب غياب برامج التكثير والحماية البيئية.
إلّا أنه أيضا تمامنا فرص متاحة تتمثل في شراكات مع منظمات دولية بيئية وصحية. وإمكانية تكوين مشاريع ريادية لتكثيرها وزراعتها. وتصدير منتجاتها بعد تصنيفها كمنتج عضوي.
وحتى لا نكون عاطفيين وارتجاليين فلا ننسى تدهور البيئة، شح المياه، الإهمال الحكومي. وغياب التنسيق بين الجهات الفاعلة. وضعف التمويل والمبادرات.
ورغم ذلك هناك عدة جهات بمكنها المساهمة في هذا، منها:
- وزارة الزراعة، الهيئة العامة لحماية البيئة، الجامعات، هيئة البحث العلمي، ووزارة السياحة والثقافة.
- المنظمات البيئية، الجمعيات الزراعية، المبادرات الشبابية، الجمعيات الخيرية، الفرق الكشفية، مراكز الإرشاد الزراعي.
- شركات الزراعة العضوية، مصانع الأدوية الطبيعية، والمشاريع الريادية في التغذية والتجميل.
فلِمَ لا؟ لمَ لا نقيم "غابة الغريب" في كل محافظة؟ نؤسس مشتلا وطنيا متخصصا لتكثيرها؟ نعلّم أبناءنا زراعتها في المدارس؟ نربطها بالهوية؟ بالتراث؟ بالأمل؟
إن تكثير شجرة الغريب ليس مجرد مشروع زراعي؛ بل هو مشروع وطني وإنساني، يُعيد لليمن بعضا من ملامحها المفقودة، ويمنحنا جميعا رمزا نفاخر به أمام العالم.
فيا من تقرأ هذه الكلمات! هذه ليست مجرد شجرة؛ هذه روح مغروسة في الأرض، تُذكّرنا أننا جزء من هذا الكوكب، وأننا مسؤولون أمام الله والتاريخ عن كل ما يُقتلع أو يموت ونحن صامتون.
فيا أصحاب القلوب الرحيمة، ويا من بيدكم المبادرات، ويا من ترون جمال الله تعالى في الطبيعة..! أنقذوا "شجرة الغريب"، وازرعوها في كل مكان، لتُصبح "أليفًة"، ومحبوبًة، ومصدرا للحياة في بلد يتوق لكل ما يبعث فيه الأمل.
والله المعين والموفق!
ودامت سلامتكم!