الجوع لا يشعل الثورة... ولكن الوعي يفعل
بقلم: نبيل الحريري
لم يكن الفقر يومًا وقود الثورة، بل كان دائمًا مجرد شرارة خامدة تنتظر عود ثقاب اسمه _الوعي_. لهذا حين كتب كارل ماركس عن الفقر، لم يكن يمجّده، بل كان يحذّر من تعايشه الأبدي إن لم يقترن بالمعرفة. فالجوع لا يُسقط الطغاة، بل يُسقط أجساد الجائعين وحدهم… بينما الجهل يقف متفرّجًا، صامتًا، عاجزًا عن الغضب.
وهنا يكمن سرّ العالم المتحضر: لقد فهم مبكرًا أن الخطر الحقيقي لا يكمن في جوع الفقراء، بل في وعيهم. لذلك لم يكتفِ بتجويعهم، بل حرص على أن يمنحهم تعليمًا _مكسورًا_… يشبه الخبز اليابس: يُسكت الصراخ، لكنه لا يُغذّي.
هكذا صار التعليم عندنا، في العالم العربي، قشرة باهتة بلا لبّ. نرتدي الزيّ المدرسي، نحمل الكتب، نحضر الامتحانات… لكننا لا نتعلّم. نُخرّج كل عام آلاف الشهادات، لكننا لا نُنتج إنسانًا واحدًا قادرًا على طرح سؤال واحد يخيف السلطة.
تمّت تصفية التعليم، لا بالرصاص، بل _بالرتابة_ ، وبمناهج لا تُعلّم إلا الطاعة، ومعلّمين تعلّموا الصمت أكثر من الحروف.
وهكذا، في حضرة هذا الفراغ، حتى الطغيان يعيش مطمئنًا.
فما الذي يُخيف سلطة ما، من جائعٍ يحلم بالخبز… وهو لا يعرف كيف يكتبه؟
نبيل الحريري