رحلة سفر ورفاق حياة
تكتبها /حنان الشعيبي
اخترت الانطلاق من عدن إلى المهرة لزيارة الأهل إذ كانت هناك مناسبة عائلية قادمة كانت زيارتي ضرورة، لكنها أيضًا فرصة للاستمتاع برحلة لطالما عشقت السفر منذ الطفولة..
بدأت الرحلة ليلا وكان كل شيء من حولي هادئًاةحتى الركاب بالكاد يتحدثون. فكرت في الاستماع إلى بعض الموسيقى الهادئة التي احتفظت بها في هاتفي ولكن بمجرد أن بدأت التشغيل ظهر إعلان لمقطع من القرآن بصوت شجي، شعرت معه بالسكينة. خجلت أن أعود للموسيقى واعتبرت ذلك إشارة من الله .. فقررت الاستماع إلى السورة التي ورد منها المقطع وكانت سورة الأحقاف سمعتها كاملة ، وبينما كنت غارقة في معانيها وصلنا إلى مطعم للتوقف وتناول العشاء.
ما إن نزل الركاب حتى بدا الأمر وكأن الجميع أسرة واحدة كل مجموعة تعرض على الآخرين الانضمام إليهم للعشاء النساء دعونني لمشاركتهن وكذلك بعض كبار السن انضممت إلى أسرة فيها فتيات صغيرات في عمر ابنتي، ورأيت أن أتيح لها فرصة التعرف على الآخرين خلال السفر. بالفعل تعارفت معهن وارتاحت برفقتهن لتدوم صداقتهن حتى هذه اللحظة تناولنا العشاء والتقطنا بعض الصور للذكرى، ثم عدنا إلى الباص لمتابعة رحلتنا.
بعد العشاء غلبني النعاس فنمت لساعتين تقريبا إلى أن استيقظت عند مرورنا ببعض النقاط الأمنية كان تعامل رجال الأمن غاية في الأدب ووجوههم بشوشة مما أشعرنا بالاطمئنان أثناء الرحلة شعرت بالغثيان وقلت بصوت خافت: "أحتاج شيئًا دافئًا لأشربه" ففوجئت بأحد الجنود يعرض علي شاي من ثلاجتهم الخاصة .. شكرته بامتنان ، فأسرع أحدهم بإحضار الشاي وهو يعتذر بأنه مجرد "شاي عسكري" ابتسمت شكرته ودعوت له من قلبي، وبالفعل منحني الشاي الدفء والراحة .
بعدما استعادت الرحلة نشاطها، قررنا كسر صمت الطريق بحديث لطيف، وفتح السائق بعض الأغاني، فتحولت الأجواء إلى لحظات من المرح والبهجة، زادت من سعادتنا بجمال بلادنا وأهلها الطيبين.
حين اقتربنا من الغيضة استقبلتنا مناظر تأسر القلب سواحل ممتدة لا نهاية لها تزينها مياه البحر الصافية وعندما دخلنا المدينة أدهشني جمالها ونظافتها .. أشجار النخيل تزين الطرقات والمباني شاهدة على رونق خاص لم أكن أتوقعه.
ما لفت نظري أكثر هو حرص أهل الغيضة على نظافة مدينتهم؛ لم أرى أحدا يرمي القاذورات على الأرض وكأنهم ورثوا حب الجمال والمحافظة عليه جيلا بعد جيل أدركت حينها أن حب المدينة يظهر في سلوك سكانها وأن الخير موجود دائمًا رغم وجود القلة التي قد تشوه الصورة.
تعلمت من هذه الرحلة أن لا أحكم على الناس من النظرة الأولى بل أعيش اللحظة بعفوية خالصة وواعية لكل مايدور حولي ، وأستمتع بكل ما يمر بي في الطريق ، لقد كانت رحلة استثنائية بكل المقاييس تركت في قلبي أثرا لا يُنسى .