د.عبد الفتاح محمود: الزراعة بدون تربة .. حل لشح التربة والمياه الصالحة للزراعة

(أبين الآن) د.عبد الفتاح محمود
تعد التربة من أهم العناصر الأساسية التي يعتمد عليها القطاع الزراعي لتحقيق إنتاجية عالية ومستدامة ففي عالم الزراعة التقليدية، يعتمد المزارعون بشكل أساسي على التربة كمصدر أساسي للمغذيات التي تحتاجها النباتات.
لكن في السنوات الأخيرة لذلك ظهرت تقنيات جديدة في مجال الزراعة والتي يمكن من خلالها زراعة النباتات دون الحاجة إلى التربة، بما يعرف بالزراعة بدون تربة وهي تقنية زراعية تستخدم فيها مواد غير التربة، مثل المحاليل المغذية أو المواد الاصطناعية، لتحفيز نمو النباتات وبدلًا من أن تمتص الجذور المغذيات من التربة، فإن النباتات تمتص المغذيات من محلول مائي يحتوي على العناصر الغذائية الضرورية لنموها وتُعتبر هذه الطريقة من الزراعة الحديثة وسيلة مبتكرة تهدف إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق الاستدامة في ظل التحديات البيئية والاقتصادية.
حيث تقدم الزراعة بدون تربة حلولاً لترشيد استهلاك المياه في المناطق القاحلة وشبه القاحلة وهذا ما يؤدى الى ندرة الموارد المائية ومحدوديتها وتقلبات هطول الأمطار والجفاف المتكرر وهي تحديات نموذجية للمناطق القاحلة ويمكن لتقنيات الزراعة بدون تربة ان تعمل على توفير المياه بنسبة كبيرة مما يوفر فرصة واعدة للحفاظ على موارد المياه ويعكس نموذجًا لنهج العلاقة بين الماء والغذاء والتربة حيث يتم استخدام تقنيات لإنتاج الغذاء وزيادة الإنتاجية.
لذا تعتبر هذه الطريقة أحد الابتكارات الزراعية الحديثة التي تعتمد على استخدام حلول مغذية مائية لتغذية النباتات، مما يوفر العديد من الفوائد على صعيد الإنتاجية، البيئة، والمستهلكين ولكن في العديد من المناطق حول العالم حيث يعاني البشر من مشاكل في قلة التربة الصالحة للزراعة، مما يؤدي إلى تقليص المساحات المزروعة وصعوبة تأمين الغذاء وتعتبر هذه المشكلة من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة في العصر الحديث، وخاصة في ظل الزيادة السكانية والضغوط البيئية.
وهناك أسباب لقلة توافر التربة الصالحة للزراعة منها التصحر وهوعملية تحول الأراضي الخصبة إلى أراضٍ جافة وغير صالحة للزراعة نتيجة عوامل طبيعية أو بشرية ويمكن أن يتسبب التصحر في تدهور التربة وفقدان العناصر الغذائية الأساسية التي تحتاجها النباتات، مما يقلل من قدرة التربة على دعم الحياة النباتية وايضا التلوث البيئي حيث يعتبر التلوث من أهم أسباب تدهور التربة ويُمكن أن يتسبب التلوث الناجم عن الصناعات والأنشطة البشرية مثل استخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية بشكل مفرط في تلوث التربة، مما يؤدي إلى فقدان خصوبتها.
بالإضافة إلى الزراعة المكثفة دون إعطاء التربة فترات راحة كافية أواستخدام أساليب الزراعة المستدامة وهذه الطريقة يمكن أن تؤدي إلى استنزاف العناصر الغذائية في التربة مع الإفراط في حصاد المحاصيل من الأرض دون إضافة المغذيات أو تحسين خصوبتها يجعل التربة غير صالحة للزراعة على المدى الطويل بالإضافة الى الملوحة هي تراكم الأملاح في التربة، والتي تؤثر سلبًا على قدرة النبات على امتصاص الماء والعناصر الغذائية وهذا يحدث غالبًا في المناطق التي تعتمد على الري بشكل كبير، حيث تتراكم الأملاح بسبب تبخر المياه مع الدور الكبير للتوسع العمراني والبناء على الأراضي الزراعية، خاصة في المناطق الحضرية مما يؤدي إلى تقليص الأراضي الصالحة للزراعة وهذا يساهم في قلة الأراضي المتاحة للزراعة وتدهور جودتها وبالتأكيد التغيرات المناخية حيث ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر حيث يُسببان جفاف التربة وزيادة ملوحتها في العديد من المناطق كما أن تغير أنماط الأمطار قد يؤدي إلى تقلبات في توفر المياه اللازمة للزراعة، مما يجعل التربة جافة وغير صالحة للزراعة.
وهناك العديد من الأنواع لتلك التقنية المبتكرة منها مثلا الزراعة المائية (Hydroponics) حيث تُزرع النباتات في محلول مائي يحتوي على كافة العناصر الغذائية الضرورية للنمو، مثل النيتروجين والفوسفور والبوتاسيوم.
يتم التحكم في مستوى الأس الهيدروجيني (pH) وتركيز العناصر الغذائية لضمان نمو النبات بشكل مثالي تعتبر هذه الطريقة من أكثر الأنظمة شيوعًا في الزراعة بدون تربة وايضا الزراعة باستخدام المزارع السمكية او بمعنى اخر الزراعة المائية العضوية (Aquaponics) وهي مزيج بين الزراعة المائية وتربية الأسماك. يتم استخدام فضلات الأسماك كمصدر للمغذيات التي تحتاجها النباتات، وبالتالي يتبادل النظام الفوائد بين الأسماك والنباتات حيث يساعد هذا النظام في تقليل تكلفة المواد المغذية وذلك عن طريق توفير الأسماك للأسمدة اللازمة للزراعة بالاضافة الزراعة الهوائية (Aeroponics).
حيث يتم تعليق الجذور في الهواء، وتُرش بمحلولات مغذية على الجذور بانتظام وتعتبر هذه الطريقة من أكثر الأساليب كفاءة في استخدام المياه مقارنة بأنظمة الزراعة الأخرى، حيث يتم توفير المغذيات بكميات دقيقة على الجذور وهناك أنظمة أخرى كأنظمة التنقيط هي تقنية أخرى شائعة وبسيطة حيث توفر مضخة على مؤقت تغذية بطيئة للمحلول إلى قاعدة كل نبات على حدة وهناك تقنية الفيلم المغذي (NFT) حيث تستخدم هذه التقنية قنوات أو أحواض حيث يتم إعدادها بزاوية طفيفة لأغراض الصرف، وتشغيل تيار ضحل للغاية من الماء إلى الجذور وبمجرد تشبع الجذور بالمياه، يتم تصريفها مرة أخرى إلى الخزان.
وهناك العديد من المزايا التى يمكن الحصول عليها نتيجة اللجوء لتلك التقنية حيث توفر هذه الطريقة بيئة مثالية لنمو النباتات، ما يعزز الإنتاجية بشكل أسرع وأكبر مقارنة بالزراعة التقليدية مع استخدام الماء بشكل أكثر كفاءة مقارنة بالزراعة التقليدية، حيث يعاد تدويره ويتم التحكم في كمياته بدقة وتقليل من الحاجة إلى الأسمدة الكيميائية والمبيدات الزراعية وايضا المساهمة فى زراعة الأماكن غير المناسبة للزراعة مثل المناطق الصحراوية أو الجبلية مع العمل على تحسين جودة المحاصيل.
الزراعة بدون تربة تقدم حلاً مبتكرًا لتحقيق الاستدامة الزراعية ويمكن من خلال هذه التقنية زيادة الإنتاج الزراعي مع تقليل التأثيرات السلبية على البيئة وتوفير المياه وعلى الرغم من التحديات التي قد تواجهها هذه الأنظمة في البداية من حيث التكلفة ونقل التكنولوجيا و الحاجة إلى المراقبة المستمرة إلا أنها تمثل أداة قوية لتحسين الأمن الغذائي وزيادة كفاءة الإنتاج الزراعي في المستقبل.