برميل الشريجة في دروب المرجلة.. رسالة مشفرة أم استدعاء للتاريخ؟
من بين المشاهد التي حفرت نفسها في ذاكرة المشاهدين لمسلسل دروب المرجلة في جزئه الثاني، برز مشهد يحمل دلالات تاريخية وسياسية عميقة، مشهد قد يبدو للوهلة الأولى عابرًا، لكنه في جوهره أشبه برسالة مشفرة تحمل تساؤلات كبرى حول الماضي والحاضر والمستقبل ، إنه البرميل الذي ظهر في قلب قرية الشيخ صقر، والذي أعاد إلى الأذهان صورة برميل الشريجة الشهير، ذاك الحاجز الفاصل بين شطري اليمن قبل الوحدة، والذي بات رمزًا لحقبة سياسية محفوفة بالتوترات والصراعات.
لم يكن إدراج هذا البرميل في سياق المسلسل مجرد تفصيل بصري عابر، بل بدا كأنه إشارة مقصودة من كاتب السيناريو والمخرج، تفتح المجال أمام تساؤلات لا تخلو من الإثارة والجدل، فهل كان الهدف من هذا المشهد تذكير الجنوبيين بالماضي، وإيصال رسالة مفادها أن العودة إلى ما قبل الوحدة أمر عسير؟ أم أن الأمر على العكس تمامًا، وأن البرميل جاء بمثابة إشارة ضمنية تحث الجنوبيين على الإسراع في استكمال مشروع الانفصال؟
في ظل هذا الطرح، يمكن قراءة المشهد من زوايا متعددة ؛فمن جهة، قد يكون صُنّاع العمل أرادوا الإيحاء بأن الانفصال ليس شعار يُرفع أو مطلب يُكتب على اللافتات، بل هو مشروع يحتاج إلى رجال أشداء يحملون القضية بجدية ومسؤولية، وليس إلى شخصيات ترفل في الفنادق الفاخرة وترتدي أرقى الأزياء وتأكل أطيب الطعام ،فالمشاهد التي تكرّس فكرة النضال الحقيقي، وفق هذا المنظور، لا تتماشى مع واقع بعض القيادات التي تضع مصالحها الشخصية فوق كل اعتبار.
يأتي هذا المشهد في توقيت حساس، حيث لا تزال قضية الجنوب تتصدر النقاش السياسي، وتتباين حولها الرؤى بين من يرى في الوحدة خيارًا استراتيجيًا لا رجعة عنه، وبين من يعتبر أن الانفصال بات الحل الأمثل لاستعادة الهوية الجنوبية المستقلة، وفي خضم هذا الجدل، هناك تساؤل جوهري: هل كان إدراج البرميل في المسلسل مجرد دغدغة لمشاعر الجنوبيين، أم أنه اختبار لوعيهم السياسي ومدى قدرتهم على قراءة التاريخ والاستفادة من دروسه؟
فالمسلسل، وإن كان في ظاهره يحكي قصة درامية، إلا أن إشاراته السياسية لا يمكن تجاهلها، خاصة في ظل الظروف التي يمر بها اليمن اليوم ،إذا كان البرميل قد عاد إلى المشهد الدرامي، فهل يعني ذلك أن ثمة من يرى أنه يجب أن يعود إلى الواقع السياسي؟ ومن هو الأجدر بإعادته؟ هل هم أولئك الذين يناضلون فعليًا على الأرض، أم من اعتادوا التنقل بين العواصم الفارهة دون أن يكون لهم دور فعلي في صنع القرار؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة ليست بالأمر السهل، لكنها على الأقل تفتح باب النقاش حول قضية جوهرية لم تفقد حضورها رغم تعاقب السنين؛ فالوحدة والانفصال لم يعودا مجرد خيارين سياسيين، بل أصبحا جزءًا من معادلة معقدة تتداخل فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتتحكم فيها عوامل داخلية لا يمكن إنكارها.
سواء كان البرميل في دروب المرجلة مجرد تفصيل درامي أو رسالة سياسية مبطنة، فإن الأكيد هو أنه نجح في إثارة نقاش واسع، وأعاد إلى الأذهان مشهدًا من التاريخ لا يزال يلقي بظلاله على الحاضر، وربما تكون الرسالة الأهم هنا هي أن القضايا المصيرية لا تُحسم بالشعارات وحدها، بل تتطلب رؤية واضحة، وقيادة صادقة، وإرادة حقيقية تتجاوز المصالح الضيقة وتضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.