من لا يعيش بين الناس لا يعرف همومهم
في عالم السياسة، يقال إن الحاكم الحكيم هو من يدرك وجع شعبه قبل أن يصل صراخهم، وأن المسؤول هو من يمشي بين أزقة الفقراء، لا من يختبئ خلف جدران قصوره الفارهة، ولكن هل بقي اليوم من يلتقط أنين الفقراء وسط ضجيج الرفاهية، الذي يغرق فيه البعض في أوج السلطة؟
إن الحاكم الذي يعيش في قصور من رفاهية، بعيداً عن نبض الشارع، لا يمكن أن يكون مرشداً لشعبه، كيف له أن يلمس الجراح إذا كانت حياته محاطة بالترف؟ وكيف له أن يشعر بالجوع إذا كانت عيناه لا ترى سوى الرفاهية؟ وكيف له أن يستشعر آلام الفقراء والمساكين في الوقت الذي يختبئ فيه من حرارة الواقع في قاعات مكيفة ومنازل فارهة؟ هؤلاء لا يرون الشعب.
الحقيقة أن السياسة لم تعد تتعلق بخدمة الإنسان، بل باتت محكومة بالأهواء والمصالح، وأصبح الحاكم معزولًا في فقاعة من الرفاهية، بعيدا عن آلام الناس، بينما يغرق المواطن في همومه اليومية، والحاكم مشغولًا بحسابات السلطة والمصالح،ومن يغرق في بحر الترف، لن يدرك أبداً حجم العاصفة التي تهدد الوطن والمواطن.
لذلك، السؤال الذي يجب أن نطرحه هو: كيف نعيد بناء العلاقة بين الحاكم والشعب؟ الإجابة تكمن في الإصلاح الحقيقي، في أن نعيد للسياسة روحها النبيلة التي تخدم الإنسان وتحقق العدالة، يجب أن نعيد للمواطن حقوقه وكرامته، وأن نعيد للحاكم دوره كقائد حقيقي، في قيادة شعبه ورفعة وطنه، التغيير يبدأ من أعماق النفوس، من إدراك أن السياسة ليست سعياً للسلطة، بل أداة للنهوض، والقائد هو من يشعر بألم شعبه ويسعى لرفع معاناتهم.
في النهاية، كما علمنا التاريخ، الشعوب قد تصبر، ولكنها لا تنسى، فمن يغمض عينيه عن معاناة شعبه اليوم، سيواجه غضبهم في الغد، ومن يظل غارقاً في أوهام السلطة، سيكتشف في نهاية المطاف أن الحقيقة لا تختبئ وراء جدران السلطة، بل تكمن في الشوارع وبين الناس، حيث تنبض الحياة.