الانسان الايجابي .. والمدينة الفاضلة ..!!
من يتفكر في التشريعات والأحكام التي جاءت بها الأديان السماوية ، وفي الأفكار التي جاد بها العقل البشري خلال تاريخه الطويل على كوكب الأرض سوف يلاحظ على الفور أن الهدف والغاية النهائية لها جميعا هي صناعة إنسان إيجابي ، إنسان قادر على العطاء والابداع والتفاعل الخلاق ، إنسان يحب الخير للجميع ويعمل من أجل بناء مجتمع إنساني مثالي وفاضل ، مجتمع ينعم الجميع بالحياة الإيجابية والكريمة في كنفه وتحت ظلاله ، وبذلك فإن صناعة الإنسان المثالي والفاضل والإيجابي هي الغاية القصوى والعظمى في كل زمان ومكان ، وبدون شك بأن كل إنسان يتمنى الوصول إلى المثالية والإيجابية ، ويبدل في سبيل ذلك كل جهده وطاقته ، ولكن الظروف والبيئة المحيطة والأفكار السائدة يكون لها دور كبير في تغيير مساره ، فقد تذهب به بعيدا في الاتجاه السلبي المعاكس وهو يظن ويعتقد أنه يسير في الطريق الصحيح ..!!
كيف لا وهناك الكثير من التشريعات الدينية العظيمة التي يتم تفسيرها وتحويرها واختزالها بعيد عن معانيها الحقيقية السامية والايجابية ، لتتحول نتيجة ذلك إلى مناهج وتشريعات تشجع على الكراهية والعدوانية والسلبية ، إن التفسيرات المتشنجة والمنفعلة للتشريعات السماوية تحت تأثير التعصب والمصلحة والهوى هي مصدر كل الشرور ، وهي الطريق نحو صناعة الإنسان السلبي والعدواني ، وهل هناك فاجعة ومصيبة أكبر من ارتكاب الإنسان للمعاصي والآثام والجرائم والإرهاب والتطرف وهو يظن أنه يحسن صنعاً ، حتما لا توجد مصيبة ولا كارثة يمكن أن تعادل هكذا كارثة ومصيبة ، وهل كل الكوارث والجرائم الفظيعة التي حدثت وتحدث وستحدث في حياة البشر إلا النتيجة الطبيعية لهكذا بيئات وهكذا أفكار تجعل من الكراهية والعدوانية والسلبية منهجا ودينا وفكرا تتفاخر بها وتمجدها وتعظمها ، وكيف يمكن صناعة انسان ايجابي ومثالي يرى في كراهية الآخرين وقتلهم وسفك دماؤهم ونهب أموالهم واستباحة اعراضهم منهجا وديناً وغايةً وهدف ، كيف يمكن صناعة إنسان إيجابي ومثالي في بيئات ومجتمعات تمجد السلبية والعدائية والكراهية وتعظمها وتتفاخر بها ، وتجعل من روادها عظماء وقادة ..!!
ويؤسفني أن أقول بأن مفهوم الايجابية والمثالية قد تعرض للتحريف في كثير من المجتمعات البشرية عبر التاريخ ، لدواعي نفعية ومصلحية على المستوى الفردي والجمعي ، والدليل على ذلك تلك الروايات والبطولات وصولا إلى هالات القداسة التي تحاط بقاداة الحروب في كل عصر وزمان ، بل إن التاريخ يقف طويلا وهو يمجد معاركهم وحروبهم ، متناسيا الكم الهائل للخسائر البشرية ولجرائم الحرب المروعة التي مارسوها وارتكبوها خلال انتصاراتهم وامجادهم المزعومة ، التي حصلت نتيجة قتل مئات الالاف من البشر ، بذرائع وحجج واهية قد تكون دينية وقومية ووطنية ومذهبية وطائفية ، ولكن ورغم كل ذلك تظل الايجابية ايجابية والمثالية مثالية ، فحقن الدماء والحفاظ على ارواح البشر ايجابية ومثالية في كل زمان ومكان ، وتظل السلبية سلبية مهما حاول البعض تزيينها وتغليفها بغلافات دينية أو قومية أو وطنية ، فسفك الدماء والمقامرة بأرواح الآخرين وازهاقها وآعلان الحروب ورفض السلام هي السلبية بعينها وذاتها وصفتها ، قال تعالى (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا )) ..!!
والانسان الايجابي في كل زمان ومكان هو الداعية للسلام وللتعايش السلمي وهو الانسان الذي يقبل بالتنوع والتعدد الديني والفكري والسياسي والاجتماعي ، والانسان الايجابي هو بدون شك الانسان المتحرر من كل صور التعصب والتطرف والتشدد والغلو والارهاب الفكري والسياسي والاجتماعي والعقائدي ، وهو بدون شك الانسان الذي ينظر لأخيه الانسان نظرة ايجابية بصفته إنسان بغض النظر عن الاختلاف الفكري والسياسي ، وبذلك فالإنسانية هو المعنى العام والشامل للايجابية والمثالية ، فكلما كان الضمير الانسان حي ومتفاعل ومستشعر بحقوق وحريات وكرامات الآخرين كلما كان الإنسان أكثر قرباً من الايجابية والعكس صحيح ..!!