عدن.. المدينة التي أرهقها الغلاء وأذلّها الجوع

في مدينة عدن، حيث كانت الحياة يومًا ما تنبض بالحيوية والتآخي، أصبح المشهد اليوم قاتمًا، موحشًا، وكأن الزمن عاد بها إلى عصور غابرة من الشقاء والمعاناة ، هنا، لا شيء يسير نحو الأفضل، بل إن كُلّ شيءٍ يتهاوى نحو الأسوأ، وكأنما الكابوس الذي يعيشه المواطن البسيط لا نهاية له ،الحديث عن الاقتصاد في عدن اليوم، أشبه بحديثٍ عن جثةٍ هامدةٍ لا حياة فيها.

 الأسعار تلتهم كل شيء، والغلاء الفاحش بات وحشًا كاسرًا ينهش جيوب الفقراء الذين لم يعد لديهم ما يقدّمونه لهذا الوحش الجشع. المواطن، الذي بالكاد يحصل على قوت يومه، يتأرجح على حافة الفقر المدقع، لا يعرف متى سيأتيه الفرج، أو هل سيأتي أصلًا؟  

الرواتب التي كانت في السابق بالكاد تكفي، باتت اليوم حلمًا بعيد المنال، إذ لم يعد استلامها في وقتها أمرًا مضمونًا، وإن وصلت، فهي مجرد أرقام لا قيمة لها أمام تسونامي الأسعار الذي يبتلع كل شيء.  
 
شهر رمضان، الذي يُفترض أن يكون شهر الرحمة والسكينة، تحوّل في عدن إلى شهر العذاب والمعاناة ،الأسواق تغلي بأسعار جنونية، والمواطن البسيط الذي كان يحلم بمائدةٍ متواضعةٍ يجتمع حولها مع أسرته، بات اليوم عاجزًا حتى عن شراء أبسط مقوّمات الحياة.  

وكأن كل هذا لا يكفي، حتى الغاز المنزلي، الذي يُعدّ من أبسط حقوق المواطن، أصبح سلعة نادرة، لا يحصل عليها إلا بعد صراعٍ طويلٍ مع الطوابير التي تمتد لعشرات الأمتار، وكأننا في زمن المجاعة والحروب الكبرى.  
 
من يمر في شوارع عدن اليوم، لا بد أن يلفت انتباهه ذلك المشهد المؤلم: طوابير طويلةٌ تمتد أمام محطات بيع الغاز، رجالٌ أنهكهم التعب، شيوخٌ يطاردون رمقهم الأخير، نساءٌ يعتصرهنّ الألم، وأطفالٌ صغارٌ يقفون تحت لهيب الشمس الحارقة، ينتظرون دورهم للحصول على أسطوانة غاز قد لا يحصلون عليها في نهاية اليوم.  

هل يعقل أن يكون هذا حال مدينةٍ كانت يومًا ما درّةً على ساحل البحر؟ هل يُعقل أن يتحوّل أبسط الحقوق إلى معركة يوميةٍ يخوضها المواطن المسكين؟  

في الجهة الأخرى من المشهد، هناك طبقة من المسؤولين الذين يعيشون في نعيم لا يُوصف، موائدهم عامرة بأشهى الأطعمة، منازلهم مضاءةٌ بالكهرباء على مدار الساعة، سياراتهم الفارهة تجوب الشوارع دون أن تعاني من أزمة الوقود، وأموالهم تتدفّق بلا انقطاع.  

كيف لهم أن يناموا قريري العين، بينما هناك من يقضي ليلته جائعًا؟ كيف لهم أن يأكلوا حتى التخمة، بينما هناك من لا يجد حتى كسرة خبزٍ يطعم بها أطفاله؟  

الأسئلة كثيرة، لكن الإجابات غائبةٌ كما هو حال الضمير عند البعض. إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ إلى متى سيظل المواطن رهينةً للجشع والاحتكار والفساد؟ متى سيصحو الضمير، ويشعر هؤلاء المسؤولون بمعاناة الشعب الذي يئن تحت وطأة الحاجة؟  

إن التاريخ لا يرحم، والأيام دوّارة، ولن ينسى الشعب من أذلّه وجوّعه وحرمه من أبسط حقوقه؛ سيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه كل من تلاعب بأقوات الناس، وكل من أدار ظهره لصوت الجائعين والمحرومين ؛حتى ذلك اليوم.. سيبقى المواطن في عدن يواصل معركته اليومية من أجل البقاء، في مدينةٍ تخلّى عنها الجميع، وتركوا سكانها يواجهون مصيرهم المحتوم!