من معه حب وحديد يفعل في الأرض ما يريد 

لعل الأمر في هذا المثل ، الذي دونه الأجداد في غابر الأزمان من عصارة تجاربهم ومعاناتهم لايختلف في شيء عما نمر به اليوم ؛ إذ جسد حقيقة القوة أين تكمن ، فالذي يمتلك الحب والحديد - ويعني بالحب بفتح الحاء وتضعيف الباء القمح والحديد السلاح - غير أن هناك كثيرا من الأقزام وقصار النظر لم يفهموا المعنى الحقيقي لهذا المثل ، فعمدوا إلى تفسيره تفسيرا خاطئا ، وعملوا على وفق ذلك التفكير القاصر ، والفهم الناتج عن الغباء المستفحل ...

إذ تجد المثل يعني أن من يزرع الأرض ، ينتج القمح الوفير ، وبذلك يحقق الاكتفاء الذاتي لنفسه ولرعيته ، ويصدر مافاض إلى أقطار الأرض ، وبهذا يكون قد حقق الجزء الأول والأهم من امتلاك القوة ، أما الشق الآخر من المثل فيعني أن تصنع سلاحك ، الذي به تحمي نفسك ورعيتك وأرضك وعرضك - على الأقل - من غائلة الدهر والأعداء ، ومكر الجيران ، وخيانة الأصدقاء ، وهنا تصبح حقا قد امتلكت القوة الفعالة للدفاع والهجوم ، للتوسع أو للتقوقع ... 

غير أن الكثير ممن وصلوا إلى السلطة عبر خداع العامة والتسلق على ظهور البسطاء قد فهموا المثل فهما مغلوطا ، فعمدوا إلى بيع الأجزاء المهمة من الأرض ، بدلا من أن يزرعوها ويحافظوا عليها ، بعد أن تنازلوا عن الهوية والسيادة للأعداء المتربصين ، والغزاة الطامعين ، واكتفوا بشيء قليل من الحديد ، الذي يقدمه لهم عدوهم ؛ إذ وجدوا فيه مايكفي لقتل الرعية وإرهابهم ، الأمر الذي أراح الأعداء ، وزاد من طمع الطامعين ، إذ وصلوا إلى المبتغى ، وتحقق لهم المراد ، عبر أولئك الأقزام وذلكم الأغبياء ...