المواطن بين مطرقة الثمانية وسندان الأربعة والعشرين .

بقلم:  د. سعيد سالم الحرباجي

كعادتي وأنا راجع من الدوام مع الساعة الثانية والنصف ظهراً ...بينما خفضت السرعة في جولة كالتكس ، لفت نظري من بعيد رجل وقد انتحى جانب الطريق .... رث الثياب  ، أشعث الشعر ، مقوَّس الظهر ، مطرقاً رأسه ، كسى الشيب كل شعر جسمه ..
أوقفت السيارة أتفحص ذلك الشخص، ثم تقدمت نحوه ، فأشرت إليه بيدي أن تفضَّل أصعد السيارة ، ومن كثر حيائه لم يرفع رأسه بل ربما لم يكن يتوقع أن تقف سيارة  دون أن  يؤشر
 لها  هو بالوقوف.

ترجَّلت السيارة فسلمت عليه فإذا به أحد زملاء العمل التربوي ، كادر إداري من طراز فريد ، ومعلم مثالي ، ومربِِ فاضل .
سلمت عليه واحتضنته وفتحت له باب السيارة ليصعد ثم انطلقنا صوب المعلاء.

في الطريق تجاذبنا أطراف الحديث، وسألت عن حاله ، فأخبرني أنه غادر أبين قبل عدة أعوام ، وحالياً  يعيش في منزل أحد أقربائه في دار سعد.
فقلت له وإلى أين ذاهب في هذا الحر ، وأنت صائم ؟ ولماذا أنت واقف بجانب الطريق ؟

صمت برهة من الوقت ، فحملقت في عينيه...
فإذا بدموعه تتحدر على وجنتيه الشاحبتين!!

بادرته بالقول :
خيراً خيراً أستاذنا العزيز .
قال : أسعفوا إبنتي إلى المستشفى في كريتر للولادة...فحاولت أن أفتش عن أجرة السيارة كي نذهب أنا وزوجتي لنطمئن على ابنتنا الوحيدة ...فلم نجد ريالاً واحداً !!!

فأقنعت زوجتي  تنتظر  حتى تبحث  عن أجرة الطريق التي توصلها إلى المستشفى..
أما أنا فخرجت من المنزل  وقرَّرت أن أقف في الجولات أتقصَّد أهل الخير يأخذوني من جولة إلى جولة ، حتى وصلت إلى جولة كالتكس .

ثم أردف قائلاً :
تصور أنَّنا خلال أيام رمضان بالكاد نجد روتي نتفطر عليه ، وهو وجبتنا الوحيدة للعشاء .
ونحن على هذا الحال حتى يومنا هذا ....إلا بما يجود به أهل الخير علينا .

أخذته إلى أحد المحسنين فأعطاه مبلغاً من المال  ، وقليلاً من التمر ......
تهلل وجهه وعلى الفور طلب الجوال واتصل بزوجته ..
ألو ، ألو ، ألو ...آلان سأعود البيت لنذهب معاً  لزيارة ابنتنا .
 الحمد لله ، الحمد لله ، لقد فُرِجت من حيث لا ندري .

أحتضنني بشدة وقد ترقرقت  عيناه  بالدمع  ، ثم ودَّعَني على عجل ، وعاد إلى منزله كي يأخذ زوجته للمستشفى .

هذه ليست رواية  متخيل ، ولا قصة حالم ، وليست حكاية للتسلية ...
بل أقسم بالله أنها قصة واقعية حصلت معي قبل كم يوم .

هكذا يُهان المعلم اليوم ، هكذا هو حال مربي الأجيال !!!
وهكذا  وصل البؤس ، والشقاء ، والعوز ، والفقر ، والقهر  بالمواطن اليمني  حتى أصبح لا يستطيع أن يوفَّر أجرة مواصلات من مدينة إلى مدينة داخل محافظة عدن !!
ولربما مات قريبه في أحد المشافي وهو عاجز عن زيارته .

كل تلك المآسي ، وكل هذا الشقاء الذي يطحن المواطنين ....
والثمانية ( الزعماء حفظهم الله ) يتصارعون مع....
( الأربعة والعشرين وزيراً ) .

{ ثمانية + أربعة وعشرون = صفر } 
بل لا يساوون صفراً ...
لأن الصفر يحمل قيمة رياضية ، أما هؤلاء { فلا قيمة لهم } .

أجل ، أجل ...لا قيمة لهم .
وكيف لهم أن يجعلوا لأنفسهم قيمة ، وهم يتنافسون  فيما بينهم .

يتنافسون ...
لا على أيهم سيقدم خدمة أفضل للمواطن ..
بل يتنافسون على العمالة ، يتنافسون على الخيانة ، يتنافسون على التفريط في الوطن ، يتنافسون على تقديم العروض للكفلاء كي يرضوا عنهم ، ويقدموا لهم حماية البقاء في مناصبهم !!!!

هذه  هي حقيقية هؤلاء (منزوعي الضمائر ) .
يختلقون مسرحيات هزلية ، وصراعاً وهمياً ، وفبركات سخيفة ....يشغلون بها الرأي العام .
ضاااااربين عُرض الحائط بمصالح المواطنين ، تاركين قوى الخارج تعبث بمقدارات الوطن ، وتنهب ثرواته .

ما العائد على المواطن من تسريبات أنَّ ( العليمي يعترك مع ابن مبارك ) ؟
ما الفائدة التي ستعود على الوطن أنَّ ( السبعة  الحررة البررة ، والأربعة والعشرين وزيراً منقسمين بين الزعيمين المبجلين) ؟
ما النتجية المرجوة من هكذا  تسريبات على أمن ، واستقرار البلد ؟

الأجابة : لا شيء .
النتيجة : إطالة زمن الأزمة التي تسحق المواطن .
الهدف : مكافئة أسيادهم لمزيد من العبث بالشعب اليمني  ، ونهب ثرواته .

والشعب المغفل مشغول بمتابعة ما يكتبه ( إعلاميو الدفع المسبق ) عن صراع ( العليمي وابن مبارك ) وكأنه يتابع معارك استعادة الدولة 
والقضاء على الانقلابيين .

أكاد أجزم أنَّ هذا الدور المشبوه الذي ينفذه ( العليمي + ابن مبارك )  هو جزء من مسرحية معدَّة بإتقان من قبل مخرج محترف ....
الغرض منها التنصل من المسؤولية . 
فكل واحد منهم يحمل الآخر نتيجة ما يعانيه الشعب.


لكن ثقوا ..
أنَّ الشعب شبَّ عن الطوق ولم تعد تنطلي عليه مثل هذه الحركات(  نصف كم)  فهو واعِِ ، ومدرك لما يحدث في أروقة السياسة ...
ومثل هذه المسرحيات ولَّى زمنها .

كلاكما تتحملون المسؤولية ، وكلاكما مُطالب بالرحيل .
لقد أثبتت الأحداث عجزكم ، وأكدت الأيام فشلكم ، وبرهنت الأعوام على إخفاقكم ..
فماذا تنتظرون ؟

لسان المواطن يلعنكم .
وقلبه يبغضكم .
ونفسه تكرهكم .
ويداه مرفوعتان  يدعو الله أن تحل بكم قارعة من السماء تريحه من أذاكم .

صدقوني لم اتجنَّ عليكم ، ولا أقصد أهانتكم ، ولا أهدف إلى أمرِِ خبيث لا سمح الله ....

ولكن أنزلوا إلى المواطنين ، واسمعوا منهم مباشرة ...
نحَّوا المنافقين ، والمطبلين ، والمزايدين ، والمشعوذين من حولكم ....
( فسترون الحقيقية )
أدركوا أنفسكم ، واقتصروا الطريق .

أمَّا المواطن ... 
فقد رفع شكواه إلى قاضي السماء...
فهو الآن منتظر الحكم الإلهي .
      ( رُفعت الجلسة ).