معركة بدر والتحولات الكبرى في تاريخ الإسلام .

بقلم د. سعيد سالم الحرباجي 

لم يكن يوم ( السابع عشر من رمضان للسنة الثانية للهجرة ) الموافق ( ( 13 /3/ 624م ) 
يوماً اعتيادياً في حياة المسلمين ،،،
بل كان يوماً مفصلياً في تاريخ البشرية جمعاء .

إنه ذلك اليوم الذي سطر فيه المسلمون تاريخاً جديداً ، وأعلنوا فيه ولادة حياة جديدة ، وسجلوا فيه وفاة نظاماً إجرامياً كهنوتياً ، وأبلغوا من خلاله نهاية حقبة تاريخية عفنة من حياة البشرية .

إنَّه يوم الفرقان ..
أجل سمَّاه ربنا في كتابه ب ( يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) .
إنَّه يوم ....فرق الله فيه بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين نظام ظلامي ، ونظام تنويري .

لذلك سجل الله أحداث تلك المعركة - بكل تفاصيلها -  بآيات تُتلى إلى يوم القيامة ..

قال تعالى: { ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة }

لقد كان النصر في بدر بنكهة المعجزة ...
ذلك أنه تم بغير أدوات النصر المادية  المألوفة في ميزان الصراع !!!

فليس هناك وجه للمقارنة بين الفريقين..لا من حيث العدد ، ولا من ناحية العدة ، ولا من جانب الإعداد النفسي ، والبدني.

ضف إلى ذلك أنَّ تلك النبتة التي يرعاها رسول الله لا تزال غير مستقرة ، ولمَّا تتعمَّق جذورها في التربة بعد .
وفي الوقت ذاته لا يزال منافقو المدينة ، ومشركوها ، ويهودها ....يتربصون بهم ، ويتحينون فرصة الإنقاض عليهم .

ولك أن تتأمل تلك الصورة المفزعة ، ولك أن تتخيل ذلك الموقف الصعب ...
ثلاث مائة مسلم ليس لهم مدد ، وليس منعة ، وليس لديهم عدة وعتاد إلا ما في أيديهم .
ولم يخرجوا من المدينة -  إبتداءً  - لخوض المعركة ، وإنما خرجوا طلباً لقافلة قريش ، ويظنونها غنيمة باردة ...

هذا هو  مرادهم ، وتلك هي حقيقية القوم ...
ولكن الله أراد شيئاً آخر ، وقضى أمراً مختلفاً .
{ أراد المسلمون الغنيمة ...وأراد الله أن تكون ملحمة تاريخية يقرأها المسلمون كل حين ، ويفزعون إليها عند الشدائد } .

قال تعالى ؛( ولقد نصركم الله ببدر ) .
الله وحده  هو الذي حدد المعركة ، وهو من حدد موقعها ، وهو الذي اغرى الطرفين بضرورة خوضها ، وهو الذي أدارها ، وهو الذي حقق النصر .

قال تعالى: ( إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ).
وكانت تلك أول بوادر النصر ...
أرسل الله لهم مددأ من عنده ( ألف ملك ) 
وأمرهم أن يقاتلوا مع المسلمين.
{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} .
وقال تعالى: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} .
ثم ختم أحداث تلك المعركة بقوله :
{ وما النصر إلا من عند الله } .

هكذا شاءت أقدار الله أن تدار تلك المعركة التي
أحتاج المسلمون فيها إلى نصف نهار فقط ...
وفي تلك المدة الزمنية القصيرة حصدوا رؤوس الشرك وقادة الكفر..
فكانت النتيجة مقتل ( سبعين من المشركين ، وأسر مثلهم ) وهرب الآخرون تاركين وراءهم 
غنائم كثيرة .

وهكذا هي خاتمة البطر ، وهكذا هي نهاية التبجح ، وهكذا هي  نتيجة الكبر والغرور  ، وهكذا هي سنة الله في الصراع بين الحق والباطل .

فأبو جهل ....
وقف في وجهه العقلاء من قومه ، وحالوا أن يثنوه عن خوض المعركة ...
إلا أنَّ الكبر والبطر منعه من الإصغاء لناصحيه...
فكان نتيجة  ذلك ...مصرعه ومصرع قادة قريش ،  وهزيمة تاريخية ساحقة لمشروعه الظلامي  ، وولادة تاريخ جديد للبشرية جمعاء .

وهكذا ينبغي أن نستلهم الدروس من تلك المعركة  ...خاصة ونحن نرى القطرسة التي  يمارسها( النت ياهو ) مع شعبنا الأعزل في غزة ...

وكأن التاريخ يعيد نفسه ، وكأن الصورة هي هي نفسها اللحظة تتحرك أمام أعيننا ...لتعيدنا إلى 
ذلك التاريخ السحيق ، وابو جهل منتفش ، ويقول بلسان الكبرياء :( لنشربنَْ الخمر ، ولنضرب الدفوف ،ولتغني الغيان...حتى تسمع بنا العرب ...فلا تزال تهابنا ) 
فكانت النتيجة أن قُطِعَ راسه وحمله ابن مسعود 
ليلقيه بين يدي رسول الله.

والنتن ياهو اليوم . ..يكرر الغطرسة ، ويريد أن يُسمع به العالم أنه الأقوى ..
لذلك يستخدم كل طاقته العسكرية يظن  أنه سيقضي على مقاومة غزة...
ويبدو أنَّ الأقدار تسوقه إلى حتفه .

ذلك أنَّ المقاومة قد حزمت أمرها ، وعزمت على مقاومة عصابة النتن ياهو ، وهم قد فوَّضوا أمرهم إلى رب السماء ، وقطعوا الرجاء من بشر الارض ، وكلهم أمل  ، وكلهم رجاء في نصر الله ، وهزيمة المشروع الصهيوني.