المتوكل غلب الحسيب

لعل في هذا المثل الصبيحي الذي سمعناه من آبائنا وأجدادنا مايعني كثيرا من الأمور التي نشاهدها اليوم ، الحسيب - بكسر الحاء وتضعيف السين مع كسره - ومعنى المثل : المتوكل على الله حتما ينتصر على ذلك المبالغ في دراسة المآلات والنتائج لأي أمر يريد الإقدام عليه . 

ولنا أمثلة كثيرة في صدق هذا المثل ، منها على سبيل التمثيل ؛ ما أقدم عليه المعتصم ، خليفة المسلمين ، عندما حاول المنجمون والفلكيون والعرافون أن يثنوه عن غزو الروم ، بعد أن أقدم أحدهم وأهان إحدى المسلمات في عمورية ، إذ هولوا عليه أمر الغزو في تلك الأيام المشؤومة ، حسب قولهم ، وأولوا له سوء النتائج ، وطلبوا منه أن يؤجل الغزو إلى زمن آخر ، وأيام محمودة ، يتحقق له فيها الانتصار ، ويظفر بالغنيمة ، لكنه لم يصدق تنجيماتهم ، وكذب عرافتهم ، وتوكل على الله ، فانتصر للمظلومية ، وعاد بالغنيمة . 

وقبل هذا غزوة بدر الكبرى ، التي كان الغرض من تجهيزها ، نصب كمين لقافلة قريش القادمة من الشام نحو مكة ، لكن بعد أن نجت القافلة ، وخرجت قريش بجيش كبير نحو بدر ، يضم أكثر من 900 فارس ، من المقاتلين الأشداء ، المهرة بشؤون الحرب ، الأمر الذي اضطر النبي محمد (ص)  التوكل على الله ، وتقبل الأمر ، ومواجهة ذلك الجيش ، الذي يفوقهم في العدد والعتاد ، إذ بلغ تعداد جيش محمد 300 صحابي أو يزيدون قليلا ، معظمهم من العبيد وصغار السن وضعيفي البنية ، فضلا عن قلة خبرتهم في خوض الحروب ومواجهة الجيوش القوية ، لكنه لم يحسب الحسابات ، ولم يعد الدراسات ، لما قد تؤول إليه الأمور ، نتيجة فارق القوة ، والعدد ، والعتاد ، التي يمتلكها جيش أعدائه ، ويفتقر إليها هو وأصحابه ، غير أن النصر كان من نصيب المتوكل على الله .

فهل علمنا - أحبتي القراء - أهمية التوكل على الله ، وهل أدركنا دهاء الآباء والأجداد ، وكيف أنتجت لنا تجاربهم ، ومعاصرتهم للحياة تلك الأمثال الرائعة ، التي من شأنها أن تضيء لنا الطريق لاسيما إذا أحسنا الوقوف عليها ، والتعمق في أثناء قراءتها ؟؟؟