جامعة الأحقاف.. نموذج للاعتدال والوسطية ونشاطها العلمي

قراءة في أعمال المؤتمر العلمي الثاني27 ديسمبر 2025م الحضارم في شرق إفريقيا: الاندماج والحفاظ على الهوية


في إطار اهتمام جامعة الأحقاف بتعزيز البحث العلمي والدراسات الحضارية، تلقيت دعوة كريمة من الزميل الأستاذ الدكتور صادق عمر مكنون، نائب رئيس الجامعة، للمشاركة في حضور جلسات المؤتمر العلمي الثاني الموسوم بـ الحضارمة في شرق إفريقيا: الاندماج والحفاظ على الهوية .


عكس المؤتمر مستوى متقدمًا من التنظيم العلمي والإداري، سواء من حيث تنسيق الجلسات، أو إدارة الوقت، أو حسن استقبال الباحثين والضيوف القادمين من خارج اليمن، ولا سيما من إندونيسيا ودول شرق إفريقيا، إضافة إلى مشاركين من دول عربية ومن جامعات حضرموت واليمن عمومًا.


أولًا: محاور الجلسة الافتتاحية ودلالاتها العلمية :


تضمنت الجلسة الافتتاحية عددًا من الكلمات الرسمية والعلمية، ركزت في مجملها على الدور التاريخي للحضارم في نشر الإسلام في شرق إفريقيا، من خلال نموذج دعوي قائم على الاعتدال والوسطية، والالتزام بالمذهب السني، والسلوك الأخلاقي الرفيع. وقد أبرزت هذه الكلمات أن نجاح الحضارم في أداء دورهم الدعوي لم يكن قائمًا على الوعظ المجرد، بل على الممارسة العملية لقيم الصدق، والأمانة، والإخلاص في العمل، واحترام الآخر، والاندماج الإيجابي مع المجتمعات المحلية.


ثانيًا: الحضارم في شرق إفريقيا بين الدعوة والاندماج الاجتماعي :


أوضحت أوراق المؤتمر أن الحضارم الذين هاجروا إلى شرق إفريقيا كانوا يحملون ثقافة دينية وسطية، قائمة على التسامح والتعايش، وهو ما مكّنهم من التفاعل البنّاء مع شعوب المنطقة، رغم اختلاف الأديان والخلفيات الثقافية.


أسهم هذا النموذج السلوكي في إحداث تأثير اجتماعي وديني عميق، حيث أقبل عدد كبير من الأفارقة على اعتناق الإسلام، لا نتيجة ضغط أو إكراه، بل نتيجة الاقتناع بما لمسوه من صدق النموذج الحضرمي، وانسجامه مع القيم الإنسانية العامة.


غدا الحضارم، بمرور الوقت، مثالًا يُحتذى به في الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وفي تقديم صورة عملية لأخلاق الإسلام وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال الحوار الهادئ، والتعامل الرشيد، والالتزام بالقيم الأخلاقية في مختلف مناحي الحياة.


ثالثًا: الإسهام العلمي والديني للحضارم في شرق إفريقيا :


بيّنت جلسات المؤتمر أن استقرار الحضارم في مدن شرق إفريقيا لم يقتصر على النشاط التجاري، بل شمل مجالات العبادة والتعليم والإصلاح الاجتماعي. فقد هاجر من حضرموت عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين امتلكوا ناصية العلم الشرعي والفقهي، وخاصة من السادة العلويين القادمين من تريم، مدينة العلم والأربطة، إضافة إلى علماء من مدن حضرموت الأخرى في الوادي والساحل.


أسهم هؤلاء العلماء في تأسيس بنية دينية وتعليمية راسخة، وتقلدوا مناصب دينية وقضائية وإدارية في مجتمعات شرق إفريقيا، وكان حضورهم قائمًا على خدمة الدين والمجتمع، لا على الهيمنة أو السيطرة، بخلاف النماذج الاستعمارية الأوروبية التي عرفتها القارة الإفريقية في مراحل لاحقة.


رابعًا: الأوراق البحثية ونتائجها العلمية :

بلغ عدد الأوراق البحثية المقدمة في المؤتمر نحو ستٍ وعشرين ورقة علمية، تناولت موضوعات متعددة، أجمعت في نتائجها على إبراز سماحة الإسلام ومنهجه القرآني الوسطي ، كما ركزت هذه الدراسات على الدور التعليمي للحضارم، حيث قاموا بتأسيس المدارس والمعاهد العلمية لتعليم اللغة العربية وعلوم الشريعة وأصول الدين، سواء لأبناء الجاليات الحضرمية في شرق إفريقيا أو للسكان المحليين، معتمدين في ذلك على أوقافهم وأموالهم الخاصة، التي جعلت خالصة لوجه الله تعالى.


خاتمة :

يخلص هذا العرض إلى أن المؤتمر العلمي الثاني لجامعة الأحقاف قد نجح في تقديم قراءة علمية معمقة لتجربة الحضارم في شرق إفريقيا، بوصفها تجربة دعوية وحضارية قائمة على الاعتدال والوسطية والاندماج الإيجابي.


كما أكد المؤتمر الدور الريادي لجامعة الأحقاف بوصفها مؤسسة أكاديمية تسهم في ترسيخ منهج علمي وديني معتدل، بعيد عن التطرف والغلو، وتسعى إلى ربط البحث العلمي بالقضايا الحضارية والإنسانية .