في رثاء المحامي محمد عمير البرطي مدير عام الاتحاد التعاوني الزراعي تعز
فطر معانا على سفرة واحدة ثم ذهب لصلاة المغرب وعاد إلى المنزل كعادته ، ثم سارعنا بتقديم العشاء وجلسنا على المائدة برفقة أصدقائه واقربائه ، بدأنا بتناول العشاء وما أن لم نكمل العشاء لتكون آخر كلماته ، لا اله الا الله ، لا اله الا الله ، ثم نام على كتفي ، سارعنا باسعافة لمستشفى الحكمة لكن القدر استضافة إلى رحمته في 25 رمضان المبارك بليالي العشر الاواخر بوداع عزيز وبفراق مؤلم .
كل أوجاع الافتقاد لشئً معين بالإمكان تحملة والتعايش مع الألم مهما كان الألم ، كما أنه بالإمكان التعويل على الحياة بأنها احداث واقدار قادرة على محو اثارها وتعويضها ، إلا افتقاد إنسان احببته الذي تقف عنده عجلة الزمن بتوقف قلبه عن النبض ليبدأ اشتغال شريط الذكريات والصور والمواقف التي شاركتها معاه في نسجها وتفاصيلها ، صحيح أن الموت حق لكنه لا يقطع حبل الذكريات والمواقف بل إنه يزيدها جمالاً وحضورا في أبسط تفاصيلها رغم الألم الكبير لكنه يستمد منها محو الألم وتخفيفه.
أن يغادرنا إنساناً طيباً خلوقاً كريماً ، بحجم عمي المحامي محمد عمير البرطي فهذا مصاب جلل ومؤلم جداً ، لا يمكنني معه التصديق بعدم وجوده بيننا إلى الأبد فوجوده معنا في رحلة الحياة لم يكن سداً للفراغ أو تكملة للحياة ، بل كان في كل وجود له معنا وفي كل وجود لنا معه أشبه بدعم معنوي يعمل من أجل أن تبقى الحياة ممكنة في حياتنا فنختبر الحياة من خلال اخلاصه الدائم من أجل أن يقول لنا في كل مرة أنتم أحباب الحياة وأنتم الإخوة وأنتم الأصدقاء الذين أرى نفسي في عيونكم وأنتم العمر الذي أريد أن أقضيه معكم إلى مالا نهاية
لا تزكية على الله فيه ولكن الله أرحم به منا لأجد نفسي ارثي ابً واخ وصديقً والجبل الذي كنت استند إليه دوماً ، فقد كنت الأب الحنون وصاحب الصدر الواسع والجبل الكبير لأبنائك وأهلك وارحامك ، لقد علمتنا أخلاق الكرم في برك وإحسانك مع أهلك ورفقائك وغيرهم ، وفي صدق تعاملك مع كل الناس وفي وفائك لكل الأشخاص الذين عملت معهم في مسيرتك العادلة في المحاماة ولم يبرر لك خلافك معهم أن تعمل ضدهم أو تهاجمهم في وسيلة من الوسائل وإن أساؤوا لك يوماً ، لم أعرفك يوماً كارهاً أو مبغضاً أو حاقداً ، كنت دائماً صاحب القلب الابيض بطيبته وكرمه واخلاقة الذي يسبقانه إلى الآخرين ، ودائماً كان يأتي بابتسامة مشرقة ينثرها على الجميع ، فكان يرى في الكراهية والبغض والحقد ضعفاً وانحداراً واختلالاً ، لا يجدر بالإنسان أبداً أن يتسلح بتلك الصفات دفاعاً عن نفسه ، لأنه كان يعتقد بأن الكراهية تجلب الكراهية ، ولا شيء سوى الحب يعيد للإنسان إنسانيته وأخلاقه وحضوره الجميل ، وكان دائماً ما يراهن على الحب طريقاً إلى السلام والتعايش والمحبة ، وحتى مع أولئك الذين كان يختلف معهم في الرأي لم يكن إلا مثالاً في التسامح والمؤدة والمحبة ، فاتذكرة اليوم جيداً حينما يتحدث بالنقاش مع المخالفين له في بالفكر والرأي فكان يقول لأحدهم مالك يا استاذ هون عليك ولا تتسرع في الحكم وعليك دائماً أن تتذوق في الرد قبل أن تجرح أحدهم بالكلام فهناك دائماً مساحة كبيرة للآراء المختلفة والمتعددة ففي النهاية الحوار ينتصر وليس التعصب ، كان في كل حوار له معنا كان يناقشنا بفكرة يصر على أن يبقى الحوار في المقايل لـ استفادة وتصحيح وتطبيق ، وكان يقول دائماً عليك أن تعرف كيف تنتصر للقضية والفكر وليس لذاتك فالفكرة والقضية عندها أساس الفهم والمعنى الذي يوصلنا إلى أن نكون معنيين دوماً بجمال التفكير في استخدام العقل وتجليات الحياة المتنوعة.
عمي محمد ، أعلم يقينا أن العين لن تكتحل بمرآك لأن الموت حق إلهي يطال بحتميته كل شيء حي ولكني في الوقت ذاته موقن بأنك حاضراً معنا وحيا أبد الدهر لأنك من أصدق المؤمنين المخلصين الصادقين الذي تنحت للخلود معنا ومعاك ، ولن أختم حديثي عنك بتحية الوداع لأنك حي فينا وبنا ومعنا دوماً.