إضراب شامل وعدالة غائبة ... حين يتوحّد المعلمون وأساتذة الجامعات في وجه التهميش

تمرّ المنظومة التعليمية في بلادنا بمنعطف خطير، ليس فقط بسبب التراجع المستمر في مستوى الخدمات، بل نتيجة سياسة التجاهل المزمن التي تنتهجها الحكومات المتعاقبة تجاه مطالب المعلمين وأساتذة الجامعات ، وفي مشهد غير مسبوق دعت النقابات التعليمية بمختلف أطيافها، من نقابة المعلمين إلى نقابات أساتذة الجامعات الحكومية إلى إضراب شامل احتجاجاً على الأوضاع المعيشية والمهنية المتدهورة وتدني الأجور ، في محاولة جماعية لتوحيد الصفوف والضغط من أجل استعادة الحقوق المسلوبة.

ورغم أهمية هذه الخطوة إلا أن استمرار المؤسسات التعليمية الخاصة في عملها بشكل طبيعي وسط الإضراب يشكّل أحد أبرز التحديات أمام نجاحه ، ففي الوقت الذي يُحرم فيه طلاب المدارس والجامعات الحكومية من حقهم في التعليم يواصل نظراؤهم في القطاع الخاص دراستهم دون انقطاع. هذا الواقع يعكس تمييزاً طبقياً صارخاً، يقوّض مبدأ تكافؤ الفرص ويُظهر بوضوح أن الأزمة لا تمس الجميع على قدم المساواة، بل تثقل كاهل الفقراء وتمنح الأغنياء امتياز النجاة من تداعياتها.

ولا يمكن تحميل النقابات وحدها مسؤولية فشل الإضرابات السابقة، رغم أن بعض القيادات تورّطت في قبول وعود حكومية كاذبة أو تم توظيفها سياسياً لإخماد الحراك وتأجيل المطالب ، إلا أن جانباً كبيراً من الفشل يتحمّله أيضاً ضعف التفاعل من قبل المعلمين وأساتذة الجامعات أنفسهم، الذين تردد بعضهم في الالتزام بدعوات الإضراب أو ساهموا في تقويضها بعدم المشاركة الفاعلة ، فالإضراب لا ينجح ببيانات صادرة عن النقابات فقط، بل بحاجة إلى موقف جماعي حازم يعبّر عن قناعة حقيقية بأن الحقوق تُنتزع ولا تُمنح.

لكن ما يجري اليوم مختلف، فالتوحد بين مختلف النقابات التعليمية يتيح فرصة ذهبية لإحداث تغيير حقيقي، خاصة إذا ما نجحت هذه النقابات في كسب دعم الشارع والطلاب وأولياء الأمور. إن المعاناة لم تعد مقتصرة على المعلمين وأساتذة الجامعات فحسب، بل باتت تشمل الطلاب الذين حُرموا من بيئة تعليمية مستقرة، وأولياء الأمور الذين أنهكتهم الكُلف الباهظة للتعليم الخاص دون أي ضمان لمستقبل أبنائهم، ومجتمعاً بأكمله يشهد انحداراً مقلقاً في مستوى التعليم العام.

إن تحويل الإضراب إلى ورقة ضغط حقيقية على الحكومة يتطلب تجاوز الخطاب التقليدي، والعمل على إشراك جميع الأطراف المعنية في هذا الحراك . يجب أن يتم توسيع نطاق الإضراب ليشمل جميع العاملين في الحقل التربوي والجامعي مع إطلاق حملات إعلامية موجهة توصل رسالة النقابات إلى كل بيت، وتؤكد أن هذه المعركة ليست فئوية بل وطنية ، كما أن استنهاض همم الطلاب وأولياء الأمور من خلال فعاليات تضامنية ومخاطبة المنظمات الحقوقية والهيئات الدولية، يعزز من التأثير ويُحرج الحكومة التي لا تزال تمارس سياسة الصمت والمماطلة.

لا يمكن الحديث عن إصلاح حقيقي دون معالجة جذرية لهذا التمييز، فالاستمرار في السماح للقطاع الخاص بتقديم خدماته بشكل طبيعي، في وقت تتعطّل فيه المدارس والجامعات الحكومية هو خرق لمبادئ العدالة والمساواة، بل ويُعدّ عقاباً جماعيًا للفقراء. 
على النقابات أن تُدرك أن قوتها لا تكمن فقط في إعلان الإضراب، بل في توحيد جهودها وكسب ثقة الناس وتحويل المطالب إلى قضية رأي عام ، وحده الضغط الشامل، الشعبي والمؤسسي، قادر على كسر جدار التجاهل الحكومي وفرض الاستجابة لمطالب مشروعة طال انتظارها.