لماذا جاءت أمي إلى بوابة المعسكر؟
بقلم: أبو زين ناصر الوليدي
حدثني صديق ناجح عن دور أمه فيما وصل إليه فقال :
بعد أن وصلت إلى الصف الثالث الثانوي واقترب موعد الامتحان الوزاري جاءت فرصة لالتحاقي بالجيش، فتركت مقاعد الدراسة وأصبحت جنديا في أحد المعسكرات،عازفا عن الدراسة، رغم تضرعات أمي التي أزعجها ذلك.
كانت أمي أرملة وكنت أكبر أبنائها وكنا فقراء، فرأيت أن ألتحق بالجيش لأخفف عن أمي ما تعانيه من كبد في توفير الاحتياجات الأساسية لأبنائها اليتامى، ولكنها رغم ذلك كانت تفضل أن أكمل تعليمي ونصبر على الفقر والعوز، ولأني الكبير شعرت بمسؤوليتي نحو أمي وإخوتي فاتخذت قرارا صارما بالتوجه للجندية وترك الدراسة.
وفي غيابي عن المدرسة سعت أمي عند المدير حتى يرفع اسمي ضمن الطلاب المتقدمين للامتحان، فوافق المدير مراعاة لوضعنا.
وقبل الامتحان بيوم، وكنت حينها في المعسكر ممددا في أحد البراقات إذ جاءني جندي من حراسة البوابة ليخبرني أن امرأة محجبة جاءت لطلبي في أمر ضروري !!!
من عساها أن تكون تلك المرأة؟
وماذا تريد مني؟
لم يدر بخلدي أنها أمي.
فنهضت حائرا متسائلا حتى وصلت إلى البوابة فإذا هي أمي.
أخذتها جانبا وأمرتها أن تعود حالا إلى البيت الذي يبعد بمسافة طويلة تصل إلى 40 كيلو عن المعسكر، ولكنها ظلت متشبثة بي وتخاطبني بتشنج وتقول : إذا لم ترجع معي الآن لتدخل الامتحان غدا والله لأصرخن هاهنا وأجمع عليك أصحابك.
حاولت وحاولت ولكن كل محاولاتي تكسرت بين يدي إصرارها فاستسلمت لنداء عطفها وحرصها ودموعها فعدنا معا إلى البيت، ودخلت الامتحان وحصلت على درجة أهلتني للدراسة الجامعية، ثم شققت طريقي وأصبحت رقما، ألفت كتبا وكتبت في الصحف والمجلات وحضرت مؤتمرات داخلية وخارجية وقدمت برامج في الفضائيات وأجريت معي مقابلات وتوليت بعض المناصب.
وفي ليلة من الليالي كنا نسهر أنا وأمي وزوجتي وصغاري أمام التلفزيون فإذا بالقناة الفضائية تعيد مقابلة اجرتها معي، وعندها التفتت إلي أمي وقالت : أتذكر ذلك اليوم الذي جئتك فيه إلى بوابة المعسكر؟
فطوقت رقبتها بذراعي واحتضنتها وطبعت قبلة على جبينها الشامخ وقلت : لولا مجيئك ذاك لما ظهرت الليلة في التلفزيون ولما كنت الأستاذ (.........) الذي يشار إليه بالبنان، حفظك المولى يا أمي العظيمة فأنت ملهمتي وجامعتي التي أوصلتني إلى كل نجاح.
.