بين عهد هادي والثمانية الوارثين

بقلم: عبدالقادر محوري

في مشهد بدا فريدًا في تاريخ اليمن السياسي، تنحّى الرئيس عبدربه منصور هادي طوعًا عن السلطة في 7 أبريل 2022، وسلّمها لما عُرف بـ”المجلس الرئاسي”، الذي ضم ثمانية أعضاء من توجهات مختلفة، في خطوة أثارت حينها الكثير من الجدل، لكنها عكست إدراك هادي لحساسية المرحلة، وحرصه على إتاحة فرصة جديدة لعلّها تُفضي إلى تصحيح المسار وتحقيق تطلعات الشعب في السلام والاستقرار.

مرت ثلاث سنوات منذ ذلك الحدث المفصلي، ولم يلمس اليمنيون تحولًا حقيقيًا في المشهد، بل ازداد تعقيدًا على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية. غابت الدولة، واحتشدت الكيانات، وتراجعت المشاريع الوطنية أمام تغوّل المصالح والتجاذبات المناطقية.

لقد جاء “الثمانية الوارثون” إلى السلطة في ظل هدنة أممية، ودعم إقليمي غير مسبوق، وبيئة أقل ضغطًا من تلك التي واجهت الرئيس هادي طيلة سنوات الحرب، ومع ذلك لم ينجزوا ما يعادل، أو حتى يقترب من، ما تحقق في عهد هادي وسط النيران والدمار.

في عزّ الحرب، أنجز هادي مشروع أكبر محطة كهرباء في عدن منذ الاستقلال، وهو إنجاز استراتيجي لا يمكن إنكاره مهما حاول البعض التقليل من قيمته. وفي زمن الحرب، أيضًا، وُلد مشروع “عدن نت” كمؤسسة سيادية لتحرير قطاع الاتصالات من قبضة الحوثيين، وبدأ لأول مرة تكوين نواة لاستقلال رقمي حقيقي في المناطق المحررة.


لم تكن تلك الإنجازات فردية أو معزولة، بل جزءًا من رؤية تسعى لبناء الدولة رغم التهديدات، وإعادة ضبط البوصلة نحو مشروع وطني جامع.

في المقابل، لم يحمل “المجلس الرئاسي” إلى الآن مشروعًا واضحًا، ولا رؤية إصلاحية، بل تحوّل إلى كيان هشّ محكوم بالتوازنات والمحاصصات، عاجز عن فرض إرادته أو لملمة الملف اليمني المتشظي. والمحصلة: ثلاث سنوات من الجمود السياسي، والخنادق الاقتصادية، والتدهور المؤسسي، في ظل ما يُفترض أنه “زمن اللا حرب”.


لن يختلف على هذا التوصيف إلا من تسكنه الخصومة، أو يعميه الحقد الشخصي، أو يستغرق في نعراته الجهوية والمناطقية. فالمقارنة هنا ليست بين الأشخاص، بل بين عهد حمل مشروع دولة وسط الحرب، وآخر لم يفلح في إدارة أبسط الملفات في ظل الهدنة.


التاريخ لا يُنصف العابرين، بل يُخلد من حاولوا بصدق أن يبنوا وسط الركام. وهادي ـ رغم كل ما قيل ويُقال ـ يبقى شاهدًا على مرحلة اتسمت بالمسؤولية، وسعي جاد نحو بناء وطن، في وقتٍ كان الوطن يُنتزع من بين أيدي بنيه.