السماد العضوي (الكمبوست) كيف نميّز النافع منه من الضار؟
في زمن تتسارع فيه مفاهيم الزراعة المستدامة، ويتطلع فيه المزارع إلى تحسين الإنتاج وجودته عبر استخدام الأساليب الحديثة؛ أصبحت الأسمدة العضوية خيارا شائعا ومفضلا؛ لكن في ظل العولمة وازدحام السوق بمنتجات لا تخضع للرقابة الكافية، تتعرض فئة كبيرة من المزارعين لخديعة كبرى؛ استخدام ما يُظن أنه "سماد عضوي نافع"، بينما هو في حقيقته سماد ضار، بل قاتل للتربة والنبات.
فكثير من المزارعين لا يعلمون أن هناك نوعين متمايزين من السماد العضوي (الكمبوست): الكمبوست الهوائي والكمبوست اللا هوائي. والفرق بينهما كبير؛ لا في طريقة التصنيع فحسب؛ بل في التأثير العميق على التربة والنبات وصحة البيئة.
الكمبوست الهوائي يتم تصنيعه من خلال تحلل المواد العضوية (مخلفات نباتية، روث حيواني...)، في وجود الأوكسجين، وفق نظام دقيق يضمن التهوية الجيدة، وضبط الحرارة والرطوبة. هذا التفاعل ينتج سمادا ناضجا، غنيا بالكائنات الحية الدقيقة المفيدة، له قدرة عالية على:
- تحسين بنية التربة وزيادة تهويتها واحتفاظها بالرطوبة.
- تعزيز نمو النباتات ومقاومتها للأمراض.
- رفع مستوى الخصوبة بفضل الفطريات والبكتيريا النافعة.
- القضاء على مسببات الأمراض وبذور الأعشاب من خلال ارتفاع درجات الحرارة أثناء التحلل.
أما الكمبوست اللا هوائي، فهو نتيجة تحلل المواد العضوية في بيئة مغلقة خالية من الأوكسجين، غالبا في حفر أو خزانات. ما يُنتج عنه هو سماد يشوبه:
- انبعاث روائح كريهة خانقة تشبه البيض الفاسد أو مياه المجاري.
- احتواؤه على مركبات ضارة مثل الكبريتيد، الأمونيا، والأحماض العضوية السامة.
- غياب الكائنات المفيدة ووجود مسببات أمراض وبذور أعشاب لم تُقتل بسبب غياب الحرارة الكافية.
- زيادة ملوحة التربة وتراكم المواد السامة فيها مع مرور الوقت.
- إعاقة نمو النبات وتسبب احتراق جذوره وتثبيط امتصاصه للعناصر الغذائية.
لحسن الحظ، لا يحتاج المزارع إلى مختبرات أو أجهزة تحليل ليُميز بين الهوائي واللا هوائي؛ إذ يمكن الاعتماد على بعض الحواس وخبرة العين والملاحظة:
- فبصريا الهوائي بني غامق، متجانس القوام، لا يحتوي على قطع غير متحللة. بينما اللا هوائي: أسود أو رمادي، غير متجانس، تظهر فيه بقايا لم تتحلل جيدًا.
- ومن حيث الرائحة فإن الهوائي رائحته ترابية محببة، تشبه رائحة المطر على الأرض. أما اللا هوائي؛ فرائحته نفاذة مزعجة، أشبه بروائح البيض الفاسد أو الصرف الصحي.
وملمس الهوائي جاف نسبيا، هش، لا يلتصق باليد. بينما اللا هوائي لزج، طيني، يترك أثرا دهنيا أو زيتيا.
والملاحظ الطيور والحيوانات تنجذب للهوائي وتنفر فطريا من اللا هوائي.
الكارثة أن كثيرا من المنتجين في بلادنا يصنعون الكمبوست اللا هوائي بطريقة بدائية خاطئة، ثم يعبئونه ويعرضونه تحت اسم "سماد عضوي"، وهو في الحقيقة منتج غير ناضج، مليء بالسموم، يسبب أضرارا متراكمة للتربة والنبات، ويُضعف الإنتاج على المدى البعيد.
وعلى الرغم من السمعة العالمية الطيبة للكمبوست الهوائي، إلا أن بعض المنتجين المحليين بدأوا يُفسدون هذه السمعة، حين خلطوا بين الطريقتين (الهوائية واللا هوائية)، أو استسهلوا عمليات الإنتاج، وأهملوا التهوية أو التحكم في الرطوبة، مما أدى إلى إنتاج أنواع هجينة، لا هي بالهوائي النافع، ولا اللا هوائي المعلوم!
من هذا المنطلق، يجب أن يكون المزارع على وعي كافٍ، وأن يُحسن الاختيار بناءً على معاييره الحسية وخبرته، لا على دعايات أو أسعار مغرية. كما نهيب بالمجتمع الزراعي كله أن ينبذ الكمبوست اللا هوائي تماما، وألا يُسمح بتسويقه أو تداوله.
وفي ذات الوقت؛ لا بد من توجيه نداء واضح لمنتجي الكمبوست الهوائي بالالتزام بالمنهج العلمي، وضبط المعايير، وعدم الانحراف عن الطريقة الصحيحة. فالمصداقية وحدها هي ما سيحمي هذه الصناعة، ويرفع من جودتها ويكسبها ثقة المزارعين.
ختاما نقول: الأرض الطيبة لا تُثمر إلا إذا غُذيت بالعلم، وسُقيت بالحق، وطُهرت من الغش والخداع.
فلنُحسن اختيار ما نضعه في أرضنا! فكل ذرة نضعها اليوم، تعني غلة أو خسارة في الغد.
الكمبوست الهوائي هو المستقبل، أما اللا هوائي؛ فهو طريق إلى تدمير ما بُنيَ بعرق السنين.