الكمبوست الهوائي سماد الحياة وخيار المستقبل
في ظل السعي العالمي نحو حلول زراعية طبيعية ومستدامة؛ يبرز الكمبوست الهوائي كأحد أبرز البدائل الفعالة للأسمدة الكيميائية. هذا النوع من السماد العضوي لم يعد مجرد خيار؛ بل أصبح ضرورة بيئية وعلمية، تتبناه كبرى المؤسسات الزراعية والخبراء حول العالم، لما أثبته من كفاءة ونتائج مبهرة في تحسين التربة وجودة المحاصيل.
يُنتج الكمبوست الهوائي من خلال تحلل المواد العضوية بوجود الأكسجين، ما يسمح بعملية تحلل حيوي نظيف وسريع، ويؤدي إلى إنتاج سماد غني بالمغذيات، وآمن بيئيا. بالمقابل يعتمد الكمبوست اللاهوائي على تحلل المواد في غياب الأكسجين، وهي عملية بطيئة ترافقها روائح كريهة، وقد تُنتج مركبات ضارة للنبات والتربة.
ومن أهم مميزات الكمبوست الهوائي ارتفاع درجة حرارته أثناء التخمير إلى ما بين 55 و70 درجة مئوية، وهي كفيلة بالقضاء على مسببات الأمراض وبذور الحشائش. أما اللاهوائي؛ فلا يحقق هذه الدرجات الحرارية، مما يجعله غير فعّال في التطهير الكامل.
بيئيا، الكمبوست الهوائي ينتج غازات طبيعية مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، في حين يُنتج اللاهوائي غازات ضارة كالميثان وكبريتيد الهيدروجين، وهي من الغازات السامة والمساهمة في الاحتباس الحراري. وقد أكدت دراسة صادرة عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) عام 2021 أن التحلل الهوائي يقلل من الانبعاثات الضارة بنسبة تصل إلى 65% مقارنة بالتحلل اللاهوائي.
أما من الجانب العملي، فالكمبوست الهوائي يُنتج خلال 18 إلى 30 يوما فقط، في حين يحتاج اللاهوائي إلى أكثر من 60 يوما، هذا فضلا عن الروائح المزعجة التي يصعب التعامل معها في البيئات السكنية أو المشاريع الصغيرة.
وثمة دراسة علمية منشورة في Journal of Environmental Management (2020) بيّنت أن الكمبوست الهوائي يقلل مسببات الأمراض بأكثر من 90%. كما أثبتت دراسة أخرى في Soil Biology and Biochemistry (2019) أنه يرفع نسبة المادة العضوية في التربة بنسبة 35% بعد موسم زراعي واحد، مما يعزز من خصوبتها، ويحافظ على رطوبتها، ويُحسن بنيتها.
ومن أفضل الطرق العملية لإنتاج الكمبوست الهوائي: "طريقة بيركلي" التي طوّرها الأستاذ روبرت رايبي في جامعة كاليفورنيا، وهي طريقة دقيقة وفعّالة، تشمل الخطوات التالية:
1. تحضير المواد العضوية: خلط المواد الغنية بالكربون (مثل الأوراق الجافة، القش، النشارة) مع المواد الغنية بالنيتروجين (مثل بقايا الخضار، الأعشاب، روث الحيوانات) بنسبة كربون إلى نيتروجين بين 25:1 و30:1.
2. بناء المكمورة: إذ تُرتب على شكل مربع أو مستطيل بارتفاع 1.2م وعرض 1.5م، مع ترطيب كل طبقة حتى تصبح كالإسفنجة المعصورة (رطوبة 50-60%).
3. التقليب: ويبدأ من اليوم الرابع، ويُكرر كل يومين، لضمان دخول الأكسجين وتوازن التحلل.
4. مراقبة الحرارة والرطوبة: يجب أن تصل الحرارة إلى 55–65 مئوية في الأيام الأولى، ويُعدّل التوازن عند الحاجة.
5. الاكتمال: بعد 18 يوما، يتحول المزيج إلى سماد ذي لون بني داكن، ورائحة ترابية، وقوام هش. يُترك ليبرد ويُهوّى قبل الاستخدام.
إن التوجه إلى الكمبوست الهوائي لم يكن مجرد خيار؛ بل نتيجة مباشرة لعقود من الأبحاث والدراسات والتجارب الميدانية. وفي وقت لا يزال فيه بعض المزارعين يستخدمون التحلل اللاهوائي بأساليب تقليدية تفتقر إلى الأمان، باتت المؤسسات الزراعية تدرك مخاطره، ومنها تراكم الأحماض العضوية والنيتروجين الأمونيومي الحر، الذي يؤدي لتلف النباتات وتملح التربة.
وقد أوصت الشبكة الأوروبية للكمبوست (ECN) بضرورة اعتماد الطرق الهوائية في إدارة النفايات العضوية، كما تبنّت وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) طريقة بيركلي في برامج الزراعة العضوية، لما لها من أثر في تقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية، وتحقيق تحسينات كبيرة في جودة المحاصيل.
ختاما؛ أيها المزارع الكريم، لا تكن أسيرا لأساليب قديمة لم تثبت سلامتها. الكمبوست الهوائي ليس مجرد خيار ذكي؛ بل هو واجب علمي وأخلاقي، في عصر تتدهور فيه التربة والمياه وتضعف المحاصيل.
ابدأ اليوم بطريقتك البسيطة في إنتاج الكمبوست الهوائي وفق طريقة بيركلي، وستلمس الفرق في رائحة التربة، ونضارة النبات، ووفرة الإنتاج.
وفق الله الجميع لكل خير، وبارك الله فيهم وفي زراعتهم وأرضهم ومحصولهم!