بين حضن الدولة ووجع المواطن

في الشارع، عند الإشارة، على أرصفة الانتظار الطويل… مشهد لا يكاد يمر يوم من دونه: امرأة تمسك طفلًا يبدو نائمًا أو منهكًا، وتبدأ العزف على أوتار العاطفة: "ساعدوني… ما لي غيركم بعد الله...".

لكن خلف المشهد، يتردد الهمس الذي لا يُقال علنًا: "ده مش ابنها..."

وإن كان في الظاهر، بينهما حضن ودموع... ففي الباطن، لا نسب ولا حب، فقط صفقة مؤقتة.

هذا هو المجاز المرير الذي يلخص أحيانًا علاقة الحكومة بشعبها.

الاحتضان الظاهري

الدولة، كثيرًا ما تطل على شعبها بحملات دعائية، ومبادرات منمقة، وخُطب محشوة بكلمات مثل: "المواطن أولًا"، و"نحن في خدمتكم"، و"الأمن الغذائي"، و"التنمية المستدامة".
لكن حين يئنّ المواطن، لا أحد يسمع.

وحين ينهار، يُطلب منه الصبر.

وحين يطالب بحقه، يُذكّر بواجبه.

"الابن غير المعترف به"

المفارقة الكبرى أن الشعب لا يملك خيارًا.

هو "الابن" المفترض، وإن لم يعترف به أحد.

هو مَن تُرفَع باسمه الموازنات، وتُطلب باسمه المنح، ويُبرر باسمه التقشف، لكنه خارج كل الحسابات حين تأتي القسمة الحقيقية.

هو طفل يُحمَل ليوهموا الناس أنه ابنهم، بينما الحقيقة أنه مجرد وجه يُستدر به العطف… والضرائب.

صراع الوعي والصمت

الطفل في المشهد يعرف، لكنه لا يقدر أن يتكلم.

كذلك المواطن.
يعرف أن هذه "الأم" التي تحتضنه على الشاشات، وتدعو له في المناسبات، ليست من لحم دمه.

لكنه مضطر للصمت، لأن البديل —في كثير من الأحيان— هو الجوع، التهميش، أو القمع.

المعنى؟ ليس في بطن الشاعر، بل في حضن الواقع.

حين تصبح العلاقة بين الدولة والمواطن قائمة على النفاق، والتجميل، والإنكار… فلا عجب أن تكثر حالات التيه، والاغتراب، والعزوف.