ابن مبارك بين مطرقة الإصلاح وسندان العرقلة

لست ممن يُعرف عنهم التزلف للأشخاص أو الاصطفاف خلفهم، فكل إنسان مسؤول عن نفسه، ناطق بلسان حاله، مُدافع عن موقفه. وأسوق هذا التنويه ابتداءً حتى لا يُقال إنني ممن يدافع عن رئيس الوزراء ابن مبارك، على خلفية ما يُتداول مؤخراً من أنباء عن إقالته أو استقالته، وهي أنباءٌ لا تزال، في معظمها، محضَ تكهنات وتسريبات قد تُصيب وقد تُخطئ.

دعونا نتناول هذا الملف الخطير بميزان الحياد، وروح المسؤولية الوطنية. فكما قيل: الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره. لست من المقرّبين من رئيس الوزراء، ولا ممن يطّلعون عن كثب على تفاصيل أدائه داخل أروقة الحكومة، لكن ما لمسته من تصريحاته الأخيرة يشير برغبة صادقة في التغيير، وسعي ملموس نحو معالجة ملفاتٍ بالغة الحساسية، في مقدّمتها ملف الطاقة والكهرباء، وحقوق المعلم، والمعركة المحتدمة ضد آفة الفساد.

لقد حملت كلماته في احيان كثيرة نبرة الصدق، ولمست فيها حرصاً وطنياً يليق برجل دولة يتحمّل أمانة المرحلة. إن الرجل – من وجهة نظري المتواضعة – يملك رؤية إصلاحية تستحق الإسناد لا الإزاحة. لكن طريق الإصلاح محفوف بالعراقيل، والمُثبّطات من كل صوب، وأظن – وظني لا يخيب – أن أبرزها يكمن في تغوّل مجلس الرئاسة، وصلاحيات رئيسه، التي تطغى على صلاحيات رئيس الحكومة، ما يُفضي إلى تصادم إرادتين: إرادة إصلاح، وإرادة إقصاء.

وليس هذا فحسب، فثمّة معضلة أخرى لا تقل تعقيداً، وهي حالة التنافر والتجاذب داخل مجلس الرئاسة ذاته، إذ يبدو أن لكل عضو فيه أجندته الخاصة، ومصالحه الضيقة، وهو ما ينعكس سلباً على عمل الحكومة، ويُحبط أي محاولة جادة للنهوض بواجباتها تجاه الوطن والمواطن.

إن استبدال رئيس الحكومة بآخر لن يكون إلا دوراناً في حلقة مفرغة، فالمشكلة ليست في الأشخاص بقدر ما هي في غياب بيئة سياسية حاضنة للإصلاح، وداعمة لرئيس الوزراء أيّاً كان اسمه. فالدكتور ابن مبارك لن ينجح – وهو قادر على النجاح – إلا بوجود دعم شعبي عارم، وغطاء سياسي صلب، وإسناد حقيقي من الرباعية الدولية والتحالف، اللذين يمتلكان أوراقاً مؤثرة في مسار العمل الحكومي اليمني.

وإذا أردنا حقاً إصلاحاً لا تغييراً شكلياً، فلابد أولاً من كبح تدخل مجلس الرئاسة في عمل الحكومة ، ومنح الحكومة مساحة للعمل بحرية وكفاءة، ثم يأتي بعد ذلك دعمها في معركتها الوجودية ضد الفساد، الذي نخَر جسد الدولة حتى أوشك أن يفتك بها.

تغيير الرجل نزولاً عند رغبة من في نفسه غرض، ليس حلاً، بل تهرّب من الحل، وهروب من المسؤولية. أما الحل الحقيقي، فهو في الوقوف إلى جانب من يحمل مشروعاً إصلاحياً جاداً، ودعمه بما يستطاع إن كان ابن مبارك أو غيره حتى تنجو هذه السفينة التي تتقاذفها رياح الانهيار الاقتصادي، وتُهددها عواصف التفكك الإداري والانحدار الاجتماعي.

لقد بلغ الوضع من الخطورة مبلغاً يهدّد ليس اليمن وحده، بل قد يلقي بظلاله على المنطقة بأسرها، فهل من مُدّكر؟

اللهم احفظ الوطن وأعن المصلحين وكفي شر الفاسدين.