التقاسم في زمن الجوع!

منذ أيام، ضجّت الساحة اليمنية بما يشبه الملهاة السياسية، عنوانها «تغيير رئاسة حكومة الشرعية» ، لكن باطنها كان انفتاح شهية الأطراف المتصارعة على تقاسم الحصص والغنائم. وكأن المناصب جوائز في مسابقة، لا مسؤوليات تجاه شعبٍ تتآكله المعاناة.

وفيما هم يتقاسمون المناصب ويتفاوضون على الكعكة، كان الريال اليمني يواصل انهياره المريع أمام العملات الأجنبية، ليصل إلى مستويات كارثية تنذر بمزيد من الجوع وانعدام الاستقرار المعيشي.. لم تكن هناك أية إشارات حقيقية لمعالجات أو حتى نوايا لاحتواء هذا السقوط والفشل ، سواء في الاقتصاد أو الخدمات.

في المناطق التي تُوصف بأنها «محررة» ، لا يرى المواطن سوى تردٍّ خدمي شامل، وانهيار في البنية التحتية، ومعاناة شديدة من جور الغلاء، وعدم قدرة المواطن من الإيفاء بأبسط متطلبات الحياة.. الأكثر إيلامًا ليس فقط الجوع، بل استفحال الأمراض، وسط صمت مخزٍ من أولئك الذين انشغلوا بتوزيع المناصب بدلاً من إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ووسط هذا المشهد القاتم، يبرز مطلب جوهري لطالما تم التغاضي عنه، وهو احترام التوجيهات الصادرة بعودة جميع مسؤولي الدولة والحكومة والمؤسسات إلى داخل البلاد، ليعيشوا وسط شعبهم، ويعاينوا بأنفسهم مرارة العيش وضيق المعيشة وتفشي الفقر.. فلا يمكن لأي مسؤول أن يدرك حجم المأساة التي حلت بالبلاد ونكبت شعبه من وراء المكاتب الفارهة في الخارج، بينما الجوع يسكن وجوه الناس في الداخل.

وما يثير الأسى أكثر، هو أن الحضارم عندما حاولوا النهوض لوقف النهب والعبث، والدفاع عن مصالح محافظتهم، وعن كرامة العيش في ظل هذا الخراب، خرجت «الأفاعي» من جحورها، تنهش المشروع الحضرمي وتحاول شيطنته، متهمة إياه بالانفصال أو التقويض، مع أن هذا المشروع لم يخرج يومًا عن محيطه الوطني ، بل هو محاولة لحماية ما تبقى من وطن داخل الوطن.

في زمن الجوع، يصبح التقاسم عارًا. ويصبح الصمت مشاركة في الجريمة.